حكاية علاء الدين أبي الشامات ( الجزء السابع )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
إن الخليفة دخل على قوت القلوب فلما رأته قامت وقبلت الأرض بين يديه فقال لها: هل دخل بك علاء الدين؟ فقالت: لا يا أمير المؤمنين وقد أرسلت أطلبه للدخول فلم يرض فأمر الخليفة برجوعها إلى السرايا وقال لعلاء الدين: لا تنقطع عنا ، ثم توجه الخليفة
إلى داره فبات علاء الدين تلك الليلة ولما أصبح ركب وسار إلى الديوان فجلس في رتبة رئيس الستين فأمر الخليفة الخازندار يعطي للوزير جعفر عشرة آلف دينار فأعطاه ذلك المبلغ ثم قال الخليفة للوزير: ألزمتك أن تنزل إلى سوق الجواري وتشتري لعلاء الدين بالعشرة آلف دينار جارية فامتثل الوزير لأمر الخليفة وأخذ معه علاء الدين وسار به إلى سوق الجواري فاتفق في هذا اليوم أن والي بغداد الذي من طرف الخليفة وكان اسمه الأمير خالد نزل إلى السوق لأجل شراء جارية لولده وسبب ذلك أنه كان له زوجة تسمى خاتون وكان رزق منها بولد قبيح المنظر يسمى حبظلم بظاظة وكان قد بلغ من العمر عشرين سنة ولا يعرف أن يركب الحصان وكان أبوه شجاعاً قرماً مناعاً وكان يركب الخيل ويخوض بحار الليل فنام حبظلم بظاظة في ليلة من الليالي فاحتلم فأخبر والدته بذلك ففرحت وأخبرت والده بذلك وقالت: مرادي أن تزوجه فإنه صار يستحق الزواج فقال لها: هذا قبيح المنظر كريه الرائحة دنس وحش لا تقبله واحدة من النساء، فقالت: تشتري له جارية . فلأمر قدره الله تعالى أن اليوم الذي نزل فيه الوزير وعلاء الدين إلى السوق نزل فيه الأمير خالد الوالي هو وولده حبظلم بظاظة. فبينما هم في السوق، وإذا بجارية ذات حسن وجمال وقد واعتدال في يد رجل دلال فقال الوزير: شاور يا دلال عليها بألف دينار فمر بها على الوالي فرآها حبظلم بظاظة نظرة أعقبته ألف حسرة وتولع بها وتمكن منه حبها، فقال: يا أبت اشتري هذه الجارية فنادى الدلال وسأل الجارية عن اسمها فقالت له: اسمي ياسمين فقال له أبوه يا ولدي إن كانت أعجبتك فزد في ثمنها، فقال: يا دلال كم معك من الثمن؟ قال: ألف دينار قال: علي بألف دينار ودينار فجاء لعلاء الدين فعملها بألفين فصار كلما يزيد ابن الوالي ديناراً في الثمن يزيد علاء الدين ألف دينار فاغتاظ ابن الوالي وقال: يا دلال من يزيد علي في ثمن الجارية؟ فقال له الدلال: إن الوزير جعفر يريد أن يشتريها لعلاء الدين أبي الشامات فعملها علاء الدين بعشرة آلف دينار فسمح له سيدها وقبض ثمنها وأخذها علاء الدين وقال لها: أعتقتك لوجه الله تعالى ، ثم إنه كتب كتابه عليها وتوجه بها إلى البيت ورجع الدلال ومعه دلالته فناداه ابن الوالي وقال له: أين الجارية؟ فقال له: اشتراها علاء الدين بعشرة آلاف دينار وأعتقها وكتب كتابه عليها فانكمد الولد وزادت به الحسرات ورجع ضعيفاً إلى البيت من محبته لها وارتمى في الفراش وقطع الزاد وزاد به العشق والغرام. فلما رأته أمه ضعيفاً قالت له: سلامتك يا ولدي ما سبب ضعفك؟ قال لها: اشتري لي ياسمين يا أمي قالت له: لما يفوت صاحب الرياحين أشتري لك جنينة ياسمين، فقال لها: ليس الياسمين الذي يشم وإنما هي جارية اسمها ياسمين لم يشترها لي أبي، فقالت لزوجها: لأي شيء ما اشتريت له هذه الجارية؟ فقال لها: الذي يصلح للمولى لا يصلح للخدام وليس لي قدرة على أخذها فإنه ما اشتراها إلا علاء الدين رئيس الستين فزاد الضعف بالولد حتى جفا الرقاد وتعصبت امه بعصائب الحزن. فبينما هي في بيتها حزينة على ولدها، وإذا بعجوز دخلت عليها اسمها أم أحمد قماقم السراق وكان هذا السراق يُنقب وسطانياً ويلقف فرقانياً ويسرق الكحل من العين وكان بهذه الصفات القبيحة في أول أمره ثم عملوه مقدم الدرك فسرق عملة ووقع بها وهجم عليه الوالي فأخذه وعرضه على الخليفة فأمر بقتله في بقعة الدم فاستجار بالوزير، وكان للوزير عند الخليفة شفاعة لا ترد فشفع فيه فقال له الخليفة: كيف تشفع في آفة تضر الناس؟ فقال له: يا أمير فإن الذي بنى السجن كان حكيماً لأن السجن قبر الأحياء وشماتة الأعداء فأمر الخليفة بوضعه في السجن في قيد وكتب عليه قيد مخلد إلى الممات لا يفك إلا على دكة المغسل فوضعوه مقيداً في السجن، وكانت أمه تتردد على بيت الأمير خالد الوالي وتدخل لابنها في السجن وتقول له: أما قلت لك تب عن الحرام فيقول لها قدر الله ذلك ولكن يا أمي إذا دخلت على زوجة الوالي فخليها تشفع لي عنده ، فلما دخلت العجوز على زوجة الوالي وجدتها معصبة بعصائب الحزن، فقالت لها: ما لك حزينة؟ فقالت لها: على فقد ولدي حبظلم بظاظة، فقالت لها: سلامة ولدك ما الذي أصابه؟ فحكت لها الحكاية فقالت لها العجوز: ما تقولين فيمن يلعب منصفاً يكون فيه سلامة ولدك؟ فقالت لها: وما الذي تفعلينه؟ فقالت: أنا لي ولد يسمى أحمد قماقم السراق وهو مقيد في السجن مكتوب على قيده مخلد إلى الممات، فأنت تقومين وتلبسين أفخر ما عندك وتتزينين بأحسن الزينة وتقابلين زوجك ببشر وببشاشة فإذا طلب منك ما يطلبه الرجال من النساء فامتنعي منه ولا تمكنيه وقولي له: يا لله العجب إذا كان للرجل حاجة عند زوجته يلح عليها حتى يقضيها منها وإذا كان للزوجة عند زوجها حاجة فإنه لا يقضيها لها فيقول لك وما حاجتك. فتقولي له: حتى تحلف لي فإذا حلف لك بحياة رأسه وبالله فقولي له: حلف لي بالطلاق مني ولا تمكنيه إلا أن يحلف لك بالطلاق فإذا حلف لك بالطلاق فقولي له: عندك في السجن واحد مقدم اسمه أحمد قماقم، وله أم مسكينة وقد وقعت علي وساقتني عليك، وقالت لي: خليه يشفع عند الخليفة لأجل أن يتوب ويحصل له الثواب، فقالت لها: سمعاً وطاعة، فلما دخل الوالي على زوجته ، قالت له ذلك الكلام وحلف لها بالطلاق فمكنته وبات ولما أصبح الصباح اغتسل، وصلى الصبح وجاء إلى السجن وقال: يا أحمد قماقم يا سراق هل تتوب مما أنت فيه؟ فقال: إني تبت إلى الله تعالى ورجعت وأقول بالقلب واللسان: أستغفر الله فأطلقه الوالي من السجن وأخذه معه إلى الديوان وهو في القيد ثم تقدم إلى الخليفة وقبل الأرض بين يديه ، فقال له: يا أمير خالد، أي شيء تطلب؟ فتقدم أحمد قماقم يخطر في القيد قدام الخليفة فقال له: يا قماقم هل أنت حي إلى الآن؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن عمر الشقي بقي فقال: يا أمير خالد لأي شيء جئت به هنا ؟ فقال له: إن له أماً مسكينة منقطعة وليس لها أحد غيره، وقد وقعت على عبدك أن يتشفع عندك يا أمير المؤمنين في أنك تفكه من القيد وهو يتوب عما كان فيه وتجعله مقدم الدرك كما كان أولاً. فقال الخليفة لأحمد قماقم: هل تبت عما كنت فيه؟ فقال له: تبت إلى الله يا أمير المؤمنين فأمر بإحضار الحداد وفك قيده على دكة المغسل وجعله مقدم الدرك وأوصاه بالمشي الطيب فقبل يد الخليفة ونزل بخلعة الدرك ونادوا له بالتقديم فمكث مدة من الزمن في منصبه، ثم دخلت أمه على زوجة الوالي فقالت لها: الحمد لله الذي خلص ابنك من السجن وهو على قيد الصحة والسلامة فلأي شيء لم تقولي له يدبر أمراً في مجيئه بالجارية ياسمين إلى ولدي حبظلم بظاظة ؟ فقالت: أقول له، ثم قامت من عندها ودخلت على ولدها فوجدته سكراناً. فقالت له: يا ولدي ما سبب خلاصك من السجن إلا زوجة الوالي وتريد منك أن تدبر لها أمراً في قتل علاء الدين أبي الشامات وتجيء بالجارية ياسمين إلى ولدها حبظلم بظاظة ، فقال لها: هذا أسهل ما يكون ولا بد أن أدبر له أمراً في هذه الليلة وكانت تلك الليلة أول ليلة في الشهر الجديد وعادة أمير المؤمنين أن يبيت فيها عند السيدة زبيدة لعتق جارية أو مملوك أو نحو ذلك وكان من عادة الخليفة أن يقلع بدلة الملك، ويترك السبحة والنمشة وخاتم الملك ويضع الجميع فوق الكرسي في قاعة الجلوس وكان عند الخليفة مصباح من ذهب وفيه ثلاث جواهر منظومة في سلك من ذهب وكان ذلك المصباح عزيزاً عند الخليفة ، ثم إن الخليفة وكل الطواشية بالبدلة والمصباح وباقي الأمتعة ودخل مقصورة السيدة زبيدة فصبر أحمد قماقم السراق لما انتصف الليل وأضاء نجم سهيل ونامت الخلائق وتجلى عليهم بالستر الخالق، ثم سحب سيفه في يمينه وأخذ مقفله في يساره وأقبل على قاعة الجلوس فتعلق بها وطلع على السلم إلى السطوح، ورفع طابق القاعة ونزل فيها فوجد الطواشية نائمين، فبنجهم وأخذ بدلة الخليفة والسبحة والنمشة والمنديل والخاتم والمصباح الذي بالجواهر ثم نزل من الموضع الذي طلع منه وسار إلى بيت علاء الدين أبي الشامات وكان علاء الدين في هذه الليلة مشغولاً بفرح الجارية فدخل عليها وراحت منه حاملاً. فنزل أحمد قماقم السراق على قاعة علاء الدين وقلع لوحاً رخاماً من دار القاعة وحفر تحته ووضع بعض المصالح وأبقى بعضها معه، ثم جبس اللوح الرخام كما كان ونزل من الموضع الذي طلع منه وقال في نفسه: أنا أقعد أسكر وأحط المصباح قدامي وأشرب الكأس على نوره ثم سار إلى بيته فلما أصبح الصباح ذهب الخليفة إلى القاعة فوجد الطواشية مبنجين فأيقظهم وحط يده فلم يجد البدلة ولا الخاتم ولا السبحة ولا النمشة ولا المنديل ولا المصباح فاغتاظ لذلك غيظأ شديداً ولبس بدلة الغضب وهي بدلة حمراء، وجلس في الديوان فتقدم الوزير وقبل الأرض بين يديه وقال له: أي شيء حصل؟ فحكى له جميع ما وقع وإذا بالوالي طالع وفي ركابه أحمد قماقم السراق، فوجد الخليفة في غيظ عظيم، فلما نظر الخليفة إلى الوالي قال له: يا أمير خالد كيف حال بغداد؟ فقال له: سالمة أمينة، فقال له: تكذب فقال له: لأي شيء يا أمير المؤمنين؟ فقص عليه القصة وقال له: ألزمتك أن تجيء بذلك كله فقال له: يا أمير المؤمنين دود الخل منه فيه ولا يقدر غريب أن يصل إلى هذا المحل أبداً، فقال: إن لم تجيء لي بهذه الأشياء قتلتك، فقال له: قبل أن تقتلني أقتل أحمد قماقم السراق فإنه لا يعرف الحرامي والخائن إلا مقدم الدرك فقام أحمد قماقم وقال للخليفة: شفعني في الوالي وأنا أضمن لك عهدة الذي سرق وأقص الأثر وراءه حتى أعرفه ولكن أعطني اثنين من طرف القاعة واثنين من طرف الوالي فإن الذي فعل هذا لا يخشاك ولا يخشى من الوالي ولا من غيره. فقال الخليفة: لك ما طلبت ولكن أول التفتيش يكون في سرايتي وبعدها سراية الوزير وفي سرايا رئيس الستين فقال أحمد قماقم: صدقت يا أمير المؤمنين ربما يكون الذي عمل هذه العملة واحد قد تربى في سرايا أمير المؤمنين أو في أحد من خواصه فقال الخليفة: وحياة رأسي كل من ظهرت عليه هذه العملة لا بد من قتله ولو كان ولدي ثم إن أحمد قماقم أخذ ما أراده وأخذ فرماناً بالهجوم على البيوت وتفتيشها.
إلى داره فبات علاء الدين تلك الليلة ولما أصبح ركب وسار إلى الديوان فجلس في رتبة رئيس الستين فأمر الخليفة الخازندار يعطي للوزير جعفر عشرة آلف دينار فأعطاه ذلك المبلغ ثم قال الخليفة للوزير: ألزمتك أن تنزل إلى سوق الجواري وتشتري لعلاء الدين بالعشرة آلف دينار جارية فامتثل الوزير لأمر الخليفة وأخذ معه علاء الدين وسار به إلى سوق الجواري فاتفق في هذا اليوم أن والي بغداد الذي من طرف الخليفة وكان اسمه الأمير خالد نزل إلى السوق لأجل شراء جارية لولده وسبب ذلك أنه كان له زوجة تسمى خاتون وكان رزق منها بولد قبيح المنظر يسمى حبظلم بظاظة وكان قد بلغ من العمر عشرين سنة ولا يعرف أن يركب الحصان وكان أبوه شجاعاً قرماً مناعاً وكان يركب الخيل ويخوض بحار الليل فنام حبظلم بظاظة في ليلة من الليالي فاحتلم فأخبر والدته بذلك ففرحت وأخبرت والده بذلك وقالت: مرادي أن تزوجه فإنه صار يستحق الزواج فقال لها: هذا قبيح المنظر كريه الرائحة دنس وحش لا تقبله واحدة من النساء، فقالت: تشتري له جارية . فلأمر قدره الله تعالى أن اليوم الذي نزل فيه الوزير وعلاء الدين إلى السوق نزل فيه الأمير خالد الوالي هو وولده حبظلم بظاظة. فبينما هم في السوق، وإذا بجارية ذات حسن وجمال وقد واعتدال في يد رجل دلال فقال الوزير: شاور يا دلال عليها بألف دينار فمر بها على الوالي فرآها حبظلم بظاظة نظرة أعقبته ألف حسرة وتولع بها وتمكن منه حبها، فقال: يا أبت اشتري هذه الجارية فنادى الدلال وسأل الجارية عن اسمها فقالت له: اسمي ياسمين فقال له أبوه يا ولدي إن كانت أعجبتك فزد في ثمنها، فقال: يا دلال كم معك من الثمن؟ قال: ألف دينار قال: علي بألف دينار ودينار فجاء لعلاء الدين فعملها بألفين فصار كلما يزيد ابن الوالي ديناراً في الثمن يزيد علاء الدين ألف دينار فاغتاظ ابن الوالي وقال: يا دلال من يزيد علي في ثمن الجارية؟ فقال له الدلال: إن الوزير جعفر يريد أن يشتريها لعلاء الدين أبي الشامات فعملها علاء الدين بعشرة آلف دينار فسمح له سيدها وقبض ثمنها وأخذها علاء الدين وقال لها: أعتقتك لوجه الله تعالى ، ثم إنه كتب كتابه عليها وتوجه بها إلى البيت ورجع الدلال ومعه دلالته فناداه ابن الوالي وقال له: أين الجارية؟ فقال له: اشتراها علاء الدين بعشرة آلاف دينار وأعتقها وكتب كتابه عليها فانكمد الولد وزادت به الحسرات ورجع ضعيفاً إلى البيت من محبته لها وارتمى في الفراش وقطع الزاد وزاد به العشق والغرام. فلما رأته أمه ضعيفاً قالت له: سلامتك يا ولدي ما سبب ضعفك؟ قال لها: اشتري لي ياسمين يا أمي قالت له: لما يفوت صاحب الرياحين أشتري لك جنينة ياسمين، فقال لها: ليس الياسمين الذي يشم وإنما هي جارية اسمها ياسمين لم يشترها لي أبي، فقالت لزوجها: لأي شيء ما اشتريت له هذه الجارية؟ فقال لها: الذي يصلح للمولى لا يصلح للخدام وليس لي قدرة على أخذها فإنه ما اشتراها إلا علاء الدين رئيس الستين فزاد الضعف بالولد حتى جفا الرقاد وتعصبت امه بعصائب الحزن. فبينما هي في بيتها حزينة على ولدها، وإذا بعجوز دخلت عليها اسمها أم أحمد قماقم السراق وكان هذا السراق يُنقب وسطانياً ويلقف فرقانياً ويسرق الكحل من العين وكان بهذه الصفات القبيحة في أول أمره ثم عملوه مقدم الدرك فسرق عملة ووقع بها وهجم عليه الوالي فأخذه وعرضه على الخليفة فأمر بقتله في بقعة الدم فاستجار بالوزير، وكان للوزير عند الخليفة شفاعة لا ترد فشفع فيه فقال له الخليفة: كيف تشفع في آفة تضر الناس؟ فقال له: يا أمير فإن الذي بنى السجن كان حكيماً لأن السجن قبر الأحياء وشماتة الأعداء فأمر الخليفة بوضعه في السجن في قيد وكتب عليه قيد مخلد إلى الممات لا يفك إلا على دكة المغسل فوضعوه مقيداً في السجن، وكانت أمه تتردد على بيت الأمير خالد الوالي وتدخل لابنها في السجن وتقول له: أما قلت لك تب عن الحرام فيقول لها قدر الله ذلك ولكن يا أمي إذا دخلت على زوجة الوالي فخليها تشفع لي عنده ، فلما دخلت العجوز على زوجة الوالي وجدتها معصبة بعصائب الحزن، فقالت لها: ما لك حزينة؟ فقالت لها: على فقد ولدي حبظلم بظاظة، فقالت لها: سلامة ولدك ما الذي أصابه؟ فحكت لها الحكاية فقالت لها العجوز: ما تقولين فيمن يلعب منصفاً يكون فيه سلامة ولدك؟ فقالت لها: وما الذي تفعلينه؟ فقالت: أنا لي ولد يسمى أحمد قماقم السراق وهو مقيد في السجن مكتوب على قيده مخلد إلى الممات، فأنت تقومين وتلبسين أفخر ما عندك وتتزينين بأحسن الزينة وتقابلين زوجك ببشر وببشاشة فإذا طلب منك ما يطلبه الرجال من النساء فامتنعي منه ولا تمكنيه وقولي له: يا لله العجب إذا كان للرجل حاجة عند زوجته يلح عليها حتى يقضيها منها وإذا كان للزوجة عند زوجها حاجة فإنه لا يقضيها لها فيقول لك وما حاجتك. فتقولي له: حتى تحلف لي فإذا حلف لك بحياة رأسه وبالله فقولي له: حلف لي بالطلاق مني ولا تمكنيه إلا أن يحلف لك بالطلاق فإذا حلف لك بالطلاق فقولي له: عندك في السجن واحد مقدم اسمه أحمد قماقم، وله أم مسكينة وقد وقعت علي وساقتني عليك، وقالت لي: خليه يشفع عند الخليفة لأجل أن يتوب ويحصل له الثواب، فقالت لها: سمعاً وطاعة، فلما دخل الوالي على زوجته ، قالت له ذلك الكلام وحلف لها بالطلاق فمكنته وبات ولما أصبح الصباح اغتسل، وصلى الصبح وجاء إلى السجن وقال: يا أحمد قماقم يا سراق هل تتوب مما أنت فيه؟ فقال: إني تبت إلى الله تعالى ورجعت وأقول بالقلب واللسان: أستغفر الله فأطلقه الوالي من السجن وأخذه معه إلى الديوان وهو في القيد ثم تقدم إلى الخليفة وقبل الأرض بين يديه ، فقال له: يا أمير خالد، أي شيء تطلب؟ فتقدم أحمد قماقم يخطر في القيد قدام الخليفة فقال له: يا قماقم هل أنت حي إلى الآن؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن عمر الشقي بقي فقال: يا أمير خالد لأي شيء جئت به هنا ؟ فقال له: إن له أماً مسكينة منقطعة وليس لها أحد غيره، وقد وقعت على عبدك أن يتشفع عندك يا أمير المؤمنين في أنك تفكه من القيد وهو يتوب عما كان فيه وتجعله مقدم الدرك كما كان أولاً. فقال الخليفة لأحمد قماقم: هل تبت عما كنت فيه؟ فقال له: تبت إلى الله يا أمير المؤمنين فأمر بإحضار الحداد وفك قيده على دكة المغسل وجعله مقدم الدرك وأوصاه بالمشي الطيب فقبل يد الخليفة ونزل بخلعة الدرك ونادوا له بالتقديم فمكث مدة من الزمن في منصبه، ثم دخلت أمه على زوجة الوالي فقالت لها: الحمد لله الذي خلص ابنك من السجن وهو على قيد الصحة والسلامة فلأي شيء لم تقولي له يدبر أمراً في مجيئه بالجارية ياسمين إلى ولدي حبظلم بظاظة ؟ فقالت: أقول له، ثم قامت من عندها ودخلت على ولدها فوجدته سكراناً. فقالت له: يا ولدي ما سبب خلاصك من السجن إلا زوجة الوالي وتريد منك أن تدبر لها أمراً في قتل علاء الدين أبي الشامات وتجيء بالجارية ياسمين إلى ولدها حبظلم بظاظة ، فقال لها: هذا أسهل ما يكون ولا بد أن أدبر له أمراً في هذه الليلة وكانت تلك الليلة أول ليلة في الشهر الجديد وعادة أمير المؤمنين أن يبيت فيها عند السيدة زبيدة لعتق جارية أو مملوك أو نحو ذلك وكان من عادة الخليفة أن يقلع بدلة الملك، ويترك السبحة والنمشة وخاتم الملك ويضع الجميع فوق الكرسي في قاعة الجلوس وكان عند الخليفة مصباح من ذهب وفيه ثلاث جواهر منظومة في سلك من ذهب وكان ذلك المصباح عزيزاً عند الخليفة ، ثم إن الخليفة وكل الطواشية بالبدلة والمصباح وباقي الأمتعة ودخل مقصورة السيدة زبيدة فصبر أحمد قماقم السراق لما انتصف الليل وأضاء نجم سهيل ونامت الخلائق وتجلى عليهم بالستر الخالق، ثم سحب سيفه في يمينه وأخذ مقفله في يساره وأقبل على قاعة الجلوس فتعلق بها وطلع على السلم إلى السطوح، ورفع طابق القاعة ونزل فيها فوجد الطواشية نائمين، فبنجهم وأخذ بدلة الخليفة والسبحة والنمشة والمنديل والخاتم والمصباح الذي بالجواهر ثم نزل من الموضع الذي طلع منه وسار إلى بيت علاء الدين أبي الشامات وكان علاء الدين في هذه الليلة مشغولاً بفرح الجارية فدخل عليها وراحت منه حاملاً. فنزل أحمد قماقم السراق على قاعة علاء الدين وقلع لوحاً رخاماً من دار القاعة وحفر تحته ووضع بعض المصالح وأبقى بعضها معه، ثم جبس اللوح الرخام كما كان ونزل من الموضع الذي طلع منه وقال في نفسه: أنا أقعد أسكر وأحط المصباح قدامي وأشرب الكأس على نوره ثم سار إلى بيته فلما أصبح الصباح ذهب الخليفة إلى القاعة فوجد الطواشية مبنجين فأيقظهم وحط يده فلم يجد البدلة ولا الخاتم ولا السبحة ولا النمشة ولا المنديل ولا المصباح فاغتاظ لذلك غيظأ شديداً ولبس بدلة الغضب وهي بدلة حمراء، وجلس في الديوان فتقدم الوزير وقبل الأرض بين يديه وقال له: أي شيء حصل؟ فحكى له جميع ما وقع وإذا بالوالي طالع وفي ركابه أحمد قماقم السراق، فوجد الخليفة في غيظ عظيم، فلما نظر الخليفة إلى الوالي قال له: يا أمير خالد كيف حال بغداد؟ فقال له: سالمة أمينة، فقال له: تكذب فقال له: لأي شيء يا أمير المؤمنين؟ فقص عليه القصة وقال له: ألزمتك أن تجيء بذلك كله فقال له: يا أمير المؤمنين دود الخل منه فيه ولا يقدر غريب أن يصل إلى هذا المحل أبداً، فقال: إن لم تجيء لي بهذه الأشياء قتلتك، فقال له: قبل أن تقتلني أقتل أحمد قماقم السراق فإنه لا يعرف الحرامي والخائن إلا مقدم الدرك فقام أحمد قماقم وقال للخليفة: شفعني في الوالي وأنا أضمن لك عهدة الذي سرق وأقص الأثر وراءه حتى أعرفه ولكن أعطني اثنين من طرف القاعة واثنين من طرف الوالي فإن الذي فعل هذا لا يخشاك ولا يخشى من الوالي ولا من غيره. فقال الخليفة: لك ما طلبت ولكن أول التفتيش يكون في سرايتي وبعدها سراية الوزير وفي سرايا رئيس الستين فقال أحمد قماقم: صدقت يا أمير المؤمنين ربما يكون الذي عمل هذه العملة واحد قد تربى في سرايا أمير المؤمنين أو في أحد من خواصه فقال الخليفة: وحياة رأسي كل من ظهرت عليه هذه العملة لا بد من قتله ولو كان ولدي ثم إن أحمد قماقم أخذ ما أراده وأخذ فرماناً بالهجوم على البيوت وتفتيشها.
إلى اللقاء فموعدنا الجزء الثامن
لا تبخلوا علينا بمتابعة المدونة و الاشتراك فيها ليصلكم كل جديد و التعليق لتزدان المدونة جمالا و إشراقا
لا تبخلوا علينا بمتابعة المدونة و الاشتراك فيها ليصلكم كل جديد و التعليق لتزدان المدونة جمالا و إشراقا
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم