حكاية علاء الدين أبي الشامات ( الجزء الثاني)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
فقال علاء الدين : يا أمي الحمد لله الذي جعلني ابن سلطان أولاد العرب ووالدي شاه بندر التجار ولأي شيء تحطونني في الطابق وتتركوني محبوساً فيه؟ فقالت له: يا ولدي نحن ما حطيناك في الطابق إلا خوفاً عليك من أعين الناس فإن العين حق وأكثر أهل القبور من العين، فقال لها: يا أمي وأين المفر من القضاء والحذر لا يمنع القدر والمكتوب ما منه مهروب وإن الذي أخذ جدي لا يترك أبي فإنه عاش اليوم وما يعيش غداً وإذا مات أبي وطلعت أنا علاء الدين ابن التاجر شمس الدين لا يصدقني أحد من الناس، والإختيارية يقولون عمرنا ما رأينا لشمس الدين ولداً ولا بنتاً فينزل بيت المال ويأخذ مال أبي، ورحم الله من قال:
يموت الرجل ويذهب ماله **
ويأخذ أنذال الرجال نساءه .
فأنت يا أمي تكلمين أبي حتى يأخذني معه إلى السوق ويفتح لي دكاناً وأقعد فيه ببضائع ويعلمني البيع والشراء والأخذ والعطاء فقالت له: يا ولدي إذا حضر أبوك أخبرته بذلك، فلما رجع التاجر إلى بيته وجد ابنه علاء الدين أبي الشامات قاعداً عند أمه فقال لها: لأي شيء أخرجتيه من الطابق ؟ فقالت له: يا ابن عمي أنا ما أخرجته ولكن الخدم نسوا الطابق مفتوحاً فبينما أنا قاعدة وعندي محضر من أكابر النساء وإذا به دخل علينا وأخبرته بما قال ولده فقال له: يا ولدي في غد إن شاء الله تعالى آخذك معي إلى السوق ولكن يا ولدي قعود الأسواق والدكاكين يحتاج إلى الأدب والكمال في كل حال، فبات علاء الدين وهو فرحان من كلام أبيه ، فلما أصبح الصباح أدخله الحمام وألبسه بدلة تساوي جملة من المال، ولما أفطروا وشربوا الشرابات ركب بغلته واركب ولده بغلة وأخذه وراءه وتوجه به إلى السوق فنظر أهل السوق شاه بندر التجار مقبلاً ووراءه غلام كأن وجهه القمر في ليلة أربعة عشر فقال واحد منهم لرفقيه: انظر هذا الغلام الذي وراء شاه بندر التجار وقد كنا نظن به الخير وهو مثل الكرات شائب وقلبه أخضر، فقال الشيخ محمد سمسم المتقدم ذكره للتجار: نحن ما بقينا نرضى به أن يكون شيخاً علينا أبداً، وكان من عادة شاه بندر التجار أنه لما يأتى من بيته في الصباح ويقعد في دكانه يتقدم نقيب السوق ويقرأ الفاتحة للتجار فيقومون معه ويأتون شاه بندر التجار ويصبحون عليه ثم ينصرف كل واحد منهم إلى دكانه ، فلما قعد شاه بندر التجار في دكانه ذلك اليوم على عادته لم يأت إليه التجار كعادته م فنادى النقيب وقال له: لأي شيء لم يجتمع التجار على جري عادتهم؟ فقال له: أنا ما أعرف نقل الفتن، إن التجار اتفقوا على عزلك من المشيخة ولا يقرأون لك فاتحة فقال له: ما سبب ذلك؟ فقال له: ما شان هذا الولد الجالس بجانبك وانت إختيار ورئيس التجار، فهل هذا الولد هو مملوكك او يقرب لزوجتك وأظن انك تعشقه وتميل إلى الغلام. فصرخ عليه وقال له: اسكت قبح الله ذاتك وصفاتك هذا ولدي. فقال له: عمرنا ما رأينا لك ولداً، فقال له: لما جئتني بمعكر البيض حملت زوجتي وولدته ولكن من خوفي عليه من العين ربيته في طابق تحت الأرض وكان مرادي أنه لا يطلع حتى يمسك لحيته بيده فما رضيت أمه وطلب مني أن أفتح له دكاناً وأحط عنده بضائع وأعلمه البيع والشراء، فذهب النقيب إلى التجار وأخبرهم بحقيقة الأمر فقاموا كلهم بصحبته وتوجهوا إلى شاه بندر التجار ووقفوا بين يديه وقرأوا الفاتحة وهنأوه بذلك الغلام وقالوا له: ربنا يبقي الأصل والفرع ولكن الفقير منا لما ياتيه ولداً أو بنتا لا بد أن يصنع لأخوانه دست عصيدة ويعزم معارفه وأقاربه وأنت لم تعمل ذلك فقال لهم: لكم علي ذلك ويكون اجتماعنا في البستان ، فلما أصبح الصباح أرسل الفراش للقاعة والقصر اللذين في البستان وأمره بفرشهما وأرسل آلة الطبخ من خرفان وسمن وغير ذلك مما يحتاج إليه الحال وعمل سماطين سماطاً في القصر وسماطاً في القاعة وتحرم التاجر شمس الدين وتحرم ولده علاء الدين وقال له: يا ولدي إذا دخل الرجل الشائب فأنا اتلقاه وأجلسه على السماط الذي في القصر وأنت يا ولدي إذا دخل الولد الأمرد فخذه وادخل به القاعة واجلسه على السماط فقال له: لأي شيء يا أبي تعمل سماطين واحد للرجال وواحد للأولاد؟ فقال: يا ولدي إن الأمرد يستحي أن يأكل عند الرجال فاستحسن ذلك ولده فلما جاء التجار صار شمس الدين يقابل الرجال ويجلسهم في القصر وولده علاء الدين يقابل الأولاد ويجلسهم في القاعة ثم وضعوا الطعام وشربوا الشرابات وأطلقوا البخور ثم قعد الإختيارية في مذاكرة العلم والحديث وكان بينهم تاجر يسمى محمود البلخي وكان مسلماً في الظاهر ومجوساً في الباطن وكان يبغي الفساد ويهوى الأولاد فنظر إلى علاء الدين نظرة أعقبته ألف حسرة وعلق له الشيطان جوهرة في وجهه فأخذه به الغرام والوجد والهيام وكان ذلك التاجر الذي اسمه محمود البلخي يأخذ القماش والبضائع من والد علاء الدين. ثم إن محمود البلخي قام يتمشى وانعطف نحوا الأولاد فقاموا لملتقاه وكان علاء الدين انحصر فقام يزيل الضرورة فالتفت التاجر محمود إلى الأولاد وقال لهم: إن طيبتم خاطر علاء الدين على السفر معي أعطيت كل واحد منكم بدلة تساوي جملة من المال ثم توجه من عندهم إلى مجلس الرجال فبينما الأولاد جالسون وإذا بعلاء الدين أقبل عليهم فقاموا لملتقاه وأجلسوه بينهم في صدر المقام فقام ولد منهم وقال لرفيقه: يا سيدي حسن أخبرني برأس المال الذي عندك تبيع فيه وتشتري من أين جاءك؟ فقال له: أنا لما كبرت ونشات وبلغت مبلغ الرجال قلت لأبي: يا والدي أحضر لي متجراً فقال: يا ولدي أنا ما عندي شيء ولكن رح خذ مالاً من واحد تاجر واتجر به وتعلم البيع والشراء والأخذ والعطاء فتوجهت إلى واحد من التجار واقترضت منه ألف دينار فاشتريت بهما قماشاً وسافرت به إلى الشام فربحت المثل مثلين ثم أخذت من الشام وسافرت به إلى بغداد وبعته فربحت المثل مثلين ولم أزل حتى صار رأس مالي نحو عشرة آلاف دينار وصار كل واحد من الأولاد يقول لرفيقه مثل ذلك إلى أن دار الدور وجاء الكلام إلى علاء الدين أبي الشامات فقالوا له: وانت يا سيدي علاء الدين؟ فقال لهم: أنا تربيت في طابق تحت الأرض وطلعت منه في هذه الجمعة وأنا أروح الدكان وأرجع منه إلى البيت، فقالوا له: أنت متعود على قعود البيت ولا تعرف لذة السفر، والسفر ما يكون إلا للرجال، فقال لهم: أنا ما لي حاجة بالسفر وليس للراحة قيمة فقال واحد منهم لرفيقه: هذا مثل السمك إن فارق الماء مات ثم قالوا له: يا علاء الدين ما فخر أولاد التجار إلا بالسفر لأجل المكسب فحصل لعلاء الدين غيظ بسبب ذلك وطلع من عند الاولاد وهو باكي العين فقالت له أمه: ما يبكيك يا ولدي؟ فقال لها:إن أولاد التجار جميعاً يعايرونني وقالوا لي: ما فخر أولاد التجار إلا بالسفر لأجل أن يكسبوا الدراهم والدنانير فقالت أمه: يا ولدي هل مرادك السفر؟ قال: نعم، فقالت له: تسافر إلى أي البلاد؟ فقال لها: إلى مدينة بغداد فإن الإنسان يكسب فيها المثل مثلين، فقالت: يا ولدي إن أباك عنده مال كثير وإن لم يجهز لك متجراً من ماله فأنا أجهز لك متجراً من عندي، فقال لها: خير البر عاجله فإن كان معروفاً فإن هذا وقته فاحضرت العبيد وأرسلتهم إلى الذين يحزمون القماش وفتحت حاصلاً واخرجت منه قماشاً وحزموا عشرة أحمال. هذا ما كان من أمر أمه ، و أما ما كان من أمر أبيه فإنه التفت فلم يجد ابنه علاء الدين في البستان فسأل عنه فقالوا انه ركب بغلته وراح إلى البيت، فركب وتوجه خلفه فلما دخل منزله رأى أحمالاً محزومة فسأل عنها فأخبرته زوجته بما وقع من أولاد التجار لولده علاء الدين فقال له: يا ولدي خيب الله الغربة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سعادة المرء أن يرزق في بلده. وقال الأقدمون: دع السفر ولو كان ميلاً، ثم قال لولده: هل صممت على السفر ولا رجعة عنه؟ فقال له ولده: لا بد لي من السفر إلى بغداد بمتجر وإلا قلعت ثيابي ولبست ثياب الدراويش وطلعت سائحاً في البلاد، فقال له: ما أنا محتاج ولا معدم بل عندي مال كثير ، وأراه جميع ما عنده من المال والمتاجر والقماش وقال له: أنا عندي لكل بلد ما يناسبها من القماش والمتاجر وأراه من جمل ذلك أربعين حملاً محزمين ومكتوباً على كل حمل ثمنه ألف دينار، ثم قال: يا ولدي خذ الأربعين حملاً والعشرة أحمال التي من عند أمك وسافر مع سلامة الله تعالى ولكن يا ولدي أخاف عليك من غابة في طريقك تسمى غابة الأسد وواد هناك يقال له واد الكلاب فإنهما تراوح فيهما الأرواح بغير سماح، فقال له: لماذا يا والدي ؟ فقال: من بدوي قاطع الطريق يقال له: عجلان فقال له: الرزق رزق الله وإن كان لي فيه نصيب لم يصبني ضرر، ثم ركب علاء الدين مع والده وسار إلى سوق الدواب وإذا بعكام نزل من فوق بغلته وقبل يد شاه بندر التجار وقال له: والله زمان يا سيدي ما استقضينا في تجارات، فقال له: لكل زمان دولة ورجال ورحم الله من قال: شعر عن الشيخوخة و التقدم في العمر ، شعر عن حال الدنيا
وشيخ في جهات الأرض يمشي **
ولحيته تقـابـل ركـبـتـيه .
وشيخ في جهات الأرض يمشي **
ولحيته تقـابـل ركـبـتـيه .
فقلت له لمـاذا أنـت مـحـن **
فقال وقد لوى نـحـوي يديه .
فقال وقد لوى نـحـوي يديه .
شبابي في الثرى قد ضاع مني**
وها أنا منحن بحـثـاً عـلـيه .
وها أنا منحن بحـثـاً عـلـيه .
فلما فرغ من شعره قال: يا مقدم ما مراده السفر إلا ولدي هذا فقال له العكام: الله يحفظه عليك، ثم إن شاه بندر التجار عاهد بين ولده وبين العكام وجعله ولده وأوصاه عليه وقال له: خذ هذه المائة دينار لغلمانك ثم إن شاه بندر التجار اشترى ستين بغلاً وستر السيد عبد القادر الجيلاني وقال لولده يا ولدي أنا غائب وهذا أبوك عوضاً عني وجميع ما يقوله لك طاوعه فيه، ثم توجه بالبغال والغلمان وعملوا في تلك الليلة ختمة ومولد الشيخ عبد القادر الجيلاني، ولما أصبح الصباح أعطى شاه بندر التجار لولده عشرة آلاف دينار وقال له: إذا دخلت بغداد ولقيت القماش رائجاً معه، فبعه وإن لقيت حاله واقفاً اصرف من هذه الدنانير ،ثم حملوا البغال وودعوا بعضهم.
إلى اللقاء فموعدنا الجزء الثالث
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم