حكاية نعم و نعمة من قصص العشق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
حكاية نعم ونعمة الله
قال بهرام: اذكروا الله، اعلم أنه كان بمدينة الكوفة رجلاً من وجهاء أهلها، يقال له الربيع بن حاتم وكان كثير المال مرفه الحال، وكان قد رزق ولداً فسماه نعمة الله فبينما هو ذات يوم بدكة النخاسين إذ نظر جارية تعرض للبيع وعلى يدها وصيفة صغيرة بديعة في الحسن والجمال فأشار الربيع إلى النخاس وقال له: بكم هذه الجارية وابنتها ؟ فقال: بخمسين ديناراً، فقال الربيع: اكتب العهد
وخذ المال وسلمه لمولاها ، ثم دفع للنخاس ثمن الجارية وأعطاه دلالته وتسلم الجارية وابنتها ومضى بهما إلى بيته ، فلما نظرت ابنة عمه إلى الجارية قالت له: يا ابن العم ما هذه الجارية ؟ قال: اشتريتها رغبة في هذه الصغيرة التي على يديها واعلمي أنها إذا كبرت ما يكون في بلاد العرب والعجم مثلها أو أجمل منها ، فقالت لها ابنة عمه: ما اسمك يا جارية؟ فقالت: يا سيدتي اسمي توفيق، قالت: وما اسم ابنتك؟ قالت: سعد، قالت: صدقت، لقد سعدت وسعد من اشتراك ، ثم قالت: يا ابن عمي ما تسميها ؟ قال: ما تختارينه أنت ، قالت: نسميها نعم، قال الربيع: لا بأس بذلك، ثم إن الصغيرة نعم تربت مع نعمة بن الربيع في مهد واحد إلى حين بلغا من العمر عشر سنين وكان كل شخص منهما أحسن من صاحبه وصار الغلام يقول لها: يا أختي وهي تقول له: يا أخي. ثم أقبل الربيع على ولده نعمة حين بلغا هذا السن وقال له: يا ولدي ليست نعم أختك بل هي جاريتك وقد اشتريتها على اسمك وأنت في المهد فلا تدعها بأختك من هذا اليوم، قال نعمة لأبيه: فإذا كان كذلك فأنا أتزوجها ، ثم إنه دخل على والدته وأعلمها بذلك فقالت: يا ولدي هي جاريتك فدخل نعمة بتلك الجارية وأحبها ومضى عليهما تسع سنين وهما على تلك الحالة ولم يكن بالكوفة جارية أحسن من نعم ولا احلى ولا أظرف منها وقد كبرت وقرأت القرآن وعرفت أنواع اللعب والآلات وبرعت في المغنى، وآلات الملاهي حتى إنها فاقت جميع أهل عصرها، وبينما هي جالسة ذات يوم من الأيام مع زوجها نعمة بن الربيع في مجلس الشراب وقد أخذت العود وشدت أوتاره وأنشدت هذين البيتين: أجمل أشعار الحب
إذا كنت لي مولي أعيش بفضله **
وسيفاً به أفني رقاب النـوائب .
فما لي إلى زيد وعمرو شفاعة **
سواك إذا ضاقت علي مذاهبي .
فطرب نعمة طرباً عظيماً ثم قال لها: بحياتي يا نعم أن تغني لنا على الدف وآلات الطرب فأطربت نعم بالنغمات وغنت بهذه الأبيات:
وحياة من لمست يداه قيادي **
لأخالفن على الهوى حسادي .
ولأعصين عواذلي وأطيعكم **
ولأهجرن تلذذي ورقـادي .
ولأجعلن لكم بأكناف الحشـا **
قبراً ولم يشعر بذاك فؤادي .
فقال الغلام: لله درك يا نعم، فبينما هما في أطيب عيش وإذا بالحجاج في دار نيابته يقول لا بد لي أن أحتال على أخذ هذه الجارية التي اسمها نعم وأرسلها إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان لأنه لا يوجد في قصره مثلها ولا أطيب من غنائها، ثم إنه استدعى بعجوز قهرمانة وقال لها: امضي إلى دار الربيع واجتمعي بالجارية نعم وتسببي في أخذها لأنه لم يوجد على وجه الأرض مثلها، فقبلت العجوز من الحجاج ما قاله ولما أصبحت لبست أثوابها الصوف وحطت في رقبتها سبحة عدد حباتها ألوف ، وأخذت بيدها عكازاً وركوة يمانية وسارت وهي تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولم تزل في تسبيح وابتهال وقلبها ملآن بالمكر والإحتيال حتى وصلت إلى دار نعمة بن الربيع عند صلاة الظهر فقرعت الباب ففتح لها البواب وقال: ما تريدين؟ قالت: أنا فقيرة من العابدات وادركتني صلاة الظهر وأريد أن أصلي في هذا المكان المبارك، فقال لها البواب: يا عجوز إن هذه دار نعمة بن الربيع وليست بجامع ولا مسجد. فقالت: أنا أعرف أنه لا جامع ولا مسجد مثل دار نعمة بن الربيع وأنا قهرمانة من قصر أمير المؤمنين خرجت طالبة العبادة والسياحة ، فقال لها البواب: لا أمكنك من أن تدخلي وكثر بينهما الكلام فتعلقت به العجوز وقالت له: هل يمنع مثلي من دخول دار نعمة بن الربيع وأنا أعبر إلى ديار الأمراء والأكابر ؟ فخرج نعمة وسمع كلامها فضحك وامرها أن تدخل خلفه ، فدخل نعمة وسارت العجوز خلفه حتى دخل بها على نعم فسلمت عليها العجوز بأحسن سلام، ولما نظرت إلى نعم تعجبت من فرط جمالها ثم قالت لها: يا سيدتي أعذك بالله الذي آلف بينك وبين مولاك في الحسن والجمال ، ثم انتصبت العجوز في المحراب وأقبلت على الركوع والسجود والدعاء إلى أن مضى النهار وأقبل الليل بالإعتكار ، فقالت الجارية: يا امي أريحي قدميك ساعة فقالت العجوز: يا سيدتي من طلب الآخرة أتعب نفسه في الدنيا ومن لم يتعب نفسه في الدنيا لم ينل منازل الأبرار في الآخرة، ثم إن نعم قدمت الطعام للعجوز وقالت لها: كلي من طعامي وادعي لي بالتوبة والرحمة، فقالت العجوز: يا سيدتي إني صائمة وأما أنت فصبية يصلح لك الأكل والشرب والطرب والله يتوب عليك وقد قال الله تعالى: (إلا من تاب وعمل عملاً صالحاً) ، ولم تزل الجارية جالسة مع العجوز ساعة تحدثها ثم قالت لسيدها: يا سيدي احلف على هذه العجوز أن تقيم عندنا مدة فإن على وجهها أثر العبادة فقال: اخلي لها مجلساً للعبادة ولا تخلي أحداً يدخل عليها فلعل الله سبحانه وتعالى نفعنا ببركتها ولا يفرق بيننا ، ثم باتت العجوز ليلتها تصلي وتقرأ إلى الصباح، فلما أصبح الصباح جاءت إلى نعمة ونعم وصبحت عليهما وقالت لهما : أستودعكما الله فقالت لها نعم: إلى أين تمضين يا أمي وقد أمرني سيدي أن أخلي لك مجلساً تعتكفين فيه للعبادة؟ فقالت العجوز: الله يبقيكما ويديم نعمته عليكما ولكن أريد أن توصوا البواب أن لا يمنعني من الدخول إليكما وإن شاء الله تعالى أدور في الأماكن الطاهرة وأدعو لكما عقب الصلاة والعبادة في كل يوم وليلة ، ثم خرجت من الدار والجارية نعم تبكي على فراقها وما تعلم السبب الذي أتت إليها من أجله، ثم إن العجوز توجهت إلى الحجاج فقال لها: ما وراءك؟ فقالت له: إني نظرت إلى الجارية فرأيتها لم تلد النساء أحسن في زمانها، فقال لها الحجاج: إن فعلت ما أمرتك به يصل إليك مني خير جزيل، فقالت له: أريد منك المهلة شهراً كاملاً، فقال لها: أمهلتك شهر، ثم إن العجوز جعلت تتردد إلى دار نعمة وجاريته نعم ، وهما يزيدان في إكرامها ومازالت العجوز تمسي وتصبح عندهما ويرحب بها كل من في الدار حتى إن العجوز اختلت بالجارية يوماً من الأيام وقالت: يا سيدتي والله إني حضرت إلى الأماكن الطاهرة ودعوت لك وأتمنى أن تكوني معي حتى تري المشايخ الواصلين ويدعو لك بما تختارين فقالت الجارية نعم: بالله يا أمي أن تأخذيني معك، فقالت لها: استاذني حماتك وأنا آخذك معي، فقالت الجارية لحماتها أم نعمة: يا سيدتي اسألي سيدي أن يخليني أخرج أنا وأنت يوماً من الأيام مع أمي العجوز إلى الصلاة والدعاء مع الفقراء في الأماكن الشريفة، فلما أتى نعمة وجلس تقدمت إليه العجوز تقبل يديه فمنعها من ذلك ودعت له وخرجت من الدار فلما كان ثاني يوم جاءت العجوز ولم يكن نعمة في الدار فأقبلت على الجارية نعم وقالت لها: دعونا لكم البارحة ولكن قومي في هذه الساعة تفرجي وعودي قبل أن يجيء سيدك، فقالت لحماتها: سألتك الله أن تأذني لي في الخروج مع هذه المرأة الصالحة لأتفرج على أولياء الله في الأماكن الشريفة وأعود بسرعة قبل مجيء سيدي، فقالت لها أم نعمة: أخشى أن يعلم سيدك، فقالت العجوز: والله لا أدعها تجلس على الأرض بل تنظر وهي واقفة على أقدامها ولا تبطيء. ثم أخذت الجارية بالحيلة وتوجهت إلى قصر الحجاج وعرفته بمجيئها بعد أن حطتها في مقصورة فأتى الحجاج ونظر إليها فرآها أجمل أهل زمانها ولم ير مثلها، فلما رأته سترت وجهها فلم يفارقها حتى استدعى بحاجبه وأركب معه خمسين فارساً وأمره أن يأخذ الجارية ويتوجه بها إلى دمشق ويسلمها إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وكتب له كتاباً وقال له: أعطه هذا الكتاب وخذ منه الجواب وأسرع لي بالرجوع ، فتوجه الحاجب وأخذ الجارية على هجين وسافر بها وهي باكية العين من أجل فراق سيدها حتى وصلوا إلى دمشق واستأذن على أمير المؤمنين فأذن له فدخل الحاجب عليه وأخبره بخبر الجارية فأخلى لها مقصورة ، ثم دخل الخليفة إلى حريمه فرأى زوجته فقال لها: إن الحجاج قد اشترى لي جارية من بنات ملوك الكوفة بعشرة آلاف دينار وأرسل إلي هذا الكتاب وهي صحبة الكتاب ، فقالت له زوجته ، زادك الله من فضلك، ثم دخلت أخت الخليفة على الجارية فلما رأتها قالت: والله ما خاب من أنت في منزله ولو كان ثمنك مائة ألف دينار ، فقالت لها الجارية نعم: يا صبيحة الوجه هذا قصر من من الملوك ؟ وأي مدينة هذه المدينة ؟ قالت لها: هذه مدينة دمشق وهذا قصر أخي أمير المؤمنين عبد الله بن مروان، ثم قالت الجارية: كأنك ما علمت هذا؟ قالت: والله يا سيدتي لا علم لي بهذا، قالت: والذي باعك وقبض ثمنك أما أعلمك بأن الخليفة قد اشتراك ؟ فلما سمعت الجارية هذا الكلام سكبت دموعها وبكت وقالت الجارية لنفسها:: إن تكلمت فما يصدقني أحد ولكن أسكت وأصبر لعلمي أن فرج الله قريب ، ثم إنها أطرقت رأسها حياء وقد احمرت خدودها من أثر السفر والشمس فتركتها أخت الخليفة في ذلك اليوم وجاءتها في اليوم الثاني بقماش وقلائد من الجوهر وألبستها فدخل عليها أمير المؤمنين وجلس إلى جانبها ، فقالت له أخته: انظر إلى هذه الجارية التي كمل الله فيها من الحسن والجمال، فقال الخليفة لنعم: أزيحي القناع عن وجهك فلم تزل القناع عن وجهها وإنما رأى معصمها فوقعت محبتها في قلبه وقال لأخته: لا أدخل عليها إلا بعد ثلاثة ايام حتى تستانس بك، ثم قام وخرج من عندها فصارت الجارية متفكرة في أمرها ومتحسرة على افتراقها من سيدها نعمة فلما أتى الليل ضعفت الجارية بالحمى ولم تأكل ولم تشرب تغير وجهها ومحاسنها فعرفوا الخليفة بذلك فشق عليه أمرها ودخل عليها الأطباء وأهل البصائر فلم يلتم لها أحد على طب. هذا ما كان من أمرها. و أما ما كان من أمر سيدها نعمة فإنه أتى إلى داره وجلس على فراشه ونادى: يا نعم فلم تجبه فقام مسرعاً ونادى فلم يدخل عليه أحد وكل جارية بالبيت اختفت خوفاً منه فخرج نعمة إلى والدته فوجدها جالسة ويدها على خدها فقال لها: يا أمي أين نعم؟ فقالت له: يا ولدي مع من هي أوثق مني مع العجوز الصالحة فإنها خرجت معها لتزور الفقراء وتعود، فقال: ومتى كان لها عادة بذلك وفي أي وقت خرجت؟ قالت: خرجت بكرة النهار، قال: وكيف أذنت لها بذلك؟ فقالت له: يا ولدي هي التي أشارت علي بذلك فقال نعمة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم خرج من بيته وهو غائب عن الوجود ثم توجه إلى صاحب الشرطة فقال له: أتحتال علي وتأخذ جاريتي من داري فلا بد لي أن أسافر وأشتكيك إلى أمير المؤمنين، فقال صاحب الشرطة: ومن أخذها ؟ فقال: عجوز صفتها كذا وكذا وعليها ملبوس من الصوف وبيدها سبحة عدد حباتها ألوف فقال له صاحب الشرطة: أوقفني على العجوز وأنا أخلص لك جاريتك فقال: ومن يعرف العجوز؟ فقال له صاحب الشرطة: ما يعلم بالغيب إلا الله سبحانه وتعالى وقد علم صاحب الشرطة أنها محتالة الحجاج، فقال له نعمة: ما أعرف حاجتي إلا منك وبيني وبينك الحجاج، فقال له: امض إلى من شئت فتوجه نعمة إلى قصر الحجاج وكان والداه من أكابر أهل الكوفة فلما وصل إلى بيت الحجاج دخل حاجب الحجاج عليه وأعلمه بالقضية فقال له: علي به فلما وقف بين يديه قال له الحجاج: ما بالك؟ فقال له نعمة: كان من أمري ما هو كذا وكذا فقال هاتوا صاحب الشرطة فنأمره أن يفتش على العجوز فلما حضر صاحب الشرطة قال له: أريد منك أن تفتش على جارية نعمة بن الربيع فقال صاحب الشرطة: لا يعلم الغيب غير الله تعالى فقال له الحجاج: لا بد أن تركب الخيل وتبصر الجارية في الطرقات وتنظر في البلدان.
إلى اللقاء فموعدنا الجزء الثاني من حكاية نعم و نعمة الله
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم