حكاية علي بن بكار مع شمس النهار (الجزء الثالث من قصص الف ليلة وليلة)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة السباق نحو العلا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...ذهب أبا الحسن بالجارية ودخل البيت فلما رآه علي بن بكار فرح به فقال له أبو الحسن: سبب مجيئي أن فلاناً أرسل إليك جاريته برقعة تتضمن سلامه وذكر فيها أن سبب تاخره عنك عذر حصل له، والجارية واقفة بالباب فهل تأذن لها بالدخول؟ فقال علي بن بكار: أدخلوها وأشار له أبو الحسن انها جارية شمس النهار ففهم
الإشارة، فلما رآها تحرك وفرح وقال لها بالإشارة: كيف حال السيدة شفاها الله وعافاها؟ فقالت بخير، ثم أخرجت الورقة ودفعتها له فأخذها وقبلها وناولها لأبي الحسن فوجد مكتوبا فيها هذه الأبيات:
ينبيك هذا الرسول عن خبـري....
فاستغن في ذكره عن النظـر
خلقت صبا بحـبـكـم دنـفـا ....
وطرفه لا يزال بالـسـهـر
وطرفه لا يزال بالـسـهـر
أكابد الصبر في البلاء فـمـا ....
قلبي حلق مواقـع الـقـدر
قلبي حلق مواقـع الـقـدر
فقر عيناً فلست تبـعـد عـن ..
قلبي ولا يوم غبت عن بصري
قلبي ولا يوم غبت عن بصري
وانظر إلى جسمك النحيل وما ....
قد حله واسـتـدل بـالأثـر
قد حله واسـتـدل بـالأثـر
و بعد فقد كتبت لك كتاباً بغير بيان وأطلقت لك بغير لسان وجملت شرح حالي أنلي عيناً لا يفارقها السهر وقلباً لا تبرح عنه الفكر فكأنني قط ما عرفت صحة ولا فرحة ولا رأيت منظراً باهياً ولا قطعت عيشاً هنياً، وكانني خلقت من الصبابة ولم ألم الوجد والكآبة فعلى السقام مترادف والغرام متضاعف والشوق متكاسر وصوت كما قال الشاعر:
القلب منقبض والفكر منبسـط ..
والعين ساهرة والجسم متعوب
والعين ساهرة والجسم متعوب
والصبر منفصل والهجر متصل ..
والعقل مختبل والقلب مسلوب
والعقل مختبل والقلب مسلوب
و اعلم أن الشكوى لا تطفئ نار البلوى لكنها تتعلل من أعله الإشتياق وأتفله الفراق وغني اتسلى بذكر نفط الوصال وما أحسن قول الشاعر:-
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا .... فأين حلاوات الرسائل والكـتـب
قال أبو الحسن: فلما قرأناها هيجت ألفاظي بلابلي وأصابت معانيها مقاتلي ثم دفعتها إلى الجارية فلما اخذتها قال لها علي بن بكار: أبلغي سيدتك سلامي وعرفيها بوجدي وغرامي وامتزاج المحبة بلحمي وعظامي واخبريها انني محتاج إلى من ينقذني من بحر الهلاك وينجيني من هذا الإرتباك، ثم بكى فبكت الجارية لبكائه وودعته وخرجت من عنده وخرج أبو الحسن معها، ثم ودعها ومضى إلى دكانه، فلما جلس فيه وجد قلبه انقبض وضاق صدره وتحير في أمره ولم يزل في فكر بقية يومه وليلته وفي اليوم الثاني ذهب إلى علي بن بكار وجلس عنده حتى ذهبت الناس وساله عن حاله فأخذ في شكوى الغرام وما به من الوجد والهيام وأنشد يقول:
شكا ألم الغرام الناس قبلـي ..
وروع بالنوى حي ومـيت ..
واما مثل ما ضمت ضلوعي ...
فإني لا سمعـت ولا رأيت
وروع بالنوى حي ومـيت ..
واما مثل ما ضمت ضلوعي ...
فإني لا سمعـت ولا رأيت
فقال أبو الحسن: أنا ما رأيت ولا سمعت بمثلك في محبتك كيف يكون هذا الوجد وضعف الحركة، وقد تعلقت بحبيب موافق فكيف إذا تعلقت بحبيب مخالف مخادع فكان أمرك ينكشف؟ قال ابو الحسن: فركن علي بن بكار إلى كلامي وشكرني على ذلك وكان لي صاحب يطلع على أمري وامر علي بن بكار ويعلم أننا متوافقان ولم يعلم أحد ما بيننا غيره وكان يأتيني فيسألني عن حال علي بن بكار وبعد قليل يسألني عن الجارية فقلت له: قد دعته إليها، وكان بينه وبينها ما لا مزيد عليه وهذا آخر ما انتهى من أمرهما ولكن دبرت لنفسي أمر أريد عرضه عليك. فقال له صاحبه: ما هو؟ قال أبو الحسن: اعلم أن رجل معروف بكثرة المعاملات بين الرجال والنساء وأخشى أن ينكشف أمرهما فيكون سبباً لهلاكي وأخذ مالي وهتك عيالي وقد اقتضى رأيي أن أجمع مالي وأجهز حالي وأتوجه إلى مدينة البصرة وأقيم بها حتى أنظر ما يكون من أحوالهما بحيث لا يشعر بي أحد فإن المحبة قد تمكنت منهما ودارت المراسلة بينهما، والحال أن الرسول بينهما جارية وهي كاتمة لأسرارهما واخشى أن يغلب عليها الضجر فتبوح بسرهما لأحد فيشيع خبرهما ويؤدي ذلك إلى هلاكي ويكون سبباً لتلفي وليس لي عذر عند الناس، فقال له صاحبه قد أخبرتني بخبر خطير يخاف من مثله العاقل الخبير كفاك الله شر ما تخافه وتخشاه ونجاك مما عقباه وهذا الرأي هو الصواب. فانصرف أبو الحسن إلى منزله وصار يقضي مصالحه ويتجهز للسفر إلى البصرة، وقد قضى مصالحه وسافر إلى البصرة فجاء صاحبه بعد ثلاثة أيام ليزوره فلم يجده فسأل عنه جيرانه فقالوا له: إنه توجه من مدة ثلاثة أيام إلى البصرة لأن له معاملة عند تجارها فذهب ليطالب أرباب الديون وعن قريب يأتي، فاحتار الرجل في أمره وصار لا يدري أين يذهب وقال: يا ليتني لم أفارق أبا الحسن، ثم دبر حيلة يتوصل بها إلى علي بن بكار فقصد داره وقال لبعض غلمانه: استأذن لي سيدك لأدخل أسلم عليه، فدخل الغلام و اخبر سيده به ثم عاد إليه وأذن له بالدخول فدخل عليه فوجده ملقى على الوسادة فسلم عليه فرد عليه السلام ورحب. ثم إن الرجل اعتذر إليه في تخلفه عنه تلك المدة، ثم قال له: يا سيدي إن بيني وبينك وبين أبي الحسن صداقة وإني كنت أودعه أسراري ولا أنقطع عنه ساعة فغبت في بعض المصالح مع جماعة من أصحابي مدة ثلاثة أيام ثم جئت إليه فوجدت دكانه مقفلة فسألت عنه الجيران فقالوا: إنه توجه إلى البصرة ولم أعلم له صديقاً أوفى منك، فبالله أن تخبرني بخبره، فلما سمع علي بن بكار بكلامه تغير لونه واضطرب وقال: لم أسمع قبل هذا اليوم خبر سفره وإن كان الأمر كما ذكرت فقد حصل لي التعب ثم أفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين:
قد كنت أبكي على ما فات مني من فرح ...
وأهل ودي جمـيعـاً غـير أشـتـات
وأهل ودي جمـيعـاً غـير أشـتـات
واليوم فـرق مـا بـينـي وبـينـهـم ....
دهري فأبكي على أهـل الـمـودات
دهري فأبكي على أهـل الـمـودات
ثم إن علي بن بكار أطرق رأسه إلى الأرض يتفكر وبعد ساعة رفع رأسه إلى خادم له وقال له: امض إلى دار أبي الحسن واسأل عنه هل هو مقيم أم مسافر؟ فإن قالوا: سافر فاسأل إلى أي ناحية توجه؟ فمضى الغلام وغاب ساعة ثم أقبل إلى سيده وقال: إني لما سألت عن أبي الحسن أخبرني أتباعه أنه مسافر إلى البصرة ولكن وجدت جارية واقفة على الباب فلما رأتني عرفتني ولم أعرفها وقالت لي: هل أنت غلام علي بن بكار؟ فقلت لها: نعم فقالت: إني معي رسالة إليه من عند أعز الناس عليه فجاءت معي وهي واقفة على الباب، فقال علي بن بكار: أدخلها، فطلع الغلام إليها وأدخلها فنظر الرجل الذي عند علي بن بكار إلى الجارية فوجدها ظريفة ثم إن الجارية تقدمت إلى علي بن بكار وسلمت عليه.
إلى اللقاء فموعدنا الجزء الرابع من قصة علي بن بكار مع شمس النهار
رابط الجزء الرابع
إلى اللقاء فموعدنا الجزء الرابع من قصة علي بن بكار مع شمس النهار
رابط الجزء الرابع
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم