حكاية علي بن بكار مع شمس النهار الجزء الرابع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متابعي مدونة السباق نحو العلا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ...
إلى القصة ... 😊...
لما دخلت الجارية على علي بن بكار تقدمت إليه وسلمت عليه وتحدثت معه سراً ، وصار يقسم في أثناء الكلام و يحلف أنه لم يتكلم بذلك، ثم ودعته وانصرفت وكان الرجل صاحب أبي الحسن جواهرجياً فلما انصرفت الجارية وجد للكلام محلاً فقال لعلي بن بكار: لا شك ولا ريب لدار الخلافة عليك مطالبة أو بينك وبينها معاملة فقال: ومن أعلمك بذلك؟ فقال: معرفتي بهذه الجارية لأنها جارية شمس النهار وكانت جاءتني من مدة برقعة مكتوب فيها أنها تشتهي عقد جواهر فأرسلت لها عقداً ثميناً.
فلما سمع علي بن بكار كلامه اضطرب حتى غشي عليه ثم عاد إلى نفسه وقال: يا أخي سألتك بالله من أين تعرفها؟ فقال له الجواهرجي: دع الإلحاح في السؤال، فقال له علي بن بكار: لا أرجع عنك إلا إذا أخبرتني بالصحيح فقال له الجواهرجي: أنا أخبرك بحيث لا يدخلك مني وهم ولا يعتريك من كلامي انقباض ولا أخفي عنك سراً وأبين لك حقيقة الأمر ولكن بشرط أن تخبرني بحقيقة حالك وسبب مرضك، فأخبره بخبره ثم قال: والله يا أخي ما حملني على كتمان أمري من غيرك إلا مخافة أن الناس تكشف أستار بعضها فقال الجواهرجي لعلي بن بكار: وأنا ما اردت اجتماعي بك إلا لشدة محبتي لك وغيرتي عليك وشفقتي على قلبك من ألم الفراق عسى أن أكون لك مؤنساً نيابة عن صديقي أبو الحسن مدة غيبته فطب نفساً وقر عيناً فشكره علي بن بكار على ذلك وأنشد هذين البيتين:
ولو قلت اني صابر بعـد بـعـده * * * لكذبني دموعي وفرط نـحـيبـي
وكيف أداري مدمعـاً جـريانـه * * * على صحن خدي من فراق حبيبي
ثم إن علي بن بكار سكت ساعة من الزمن وبعد ذلك قال للجواهرجي أتدري ما أمرتني به الجارية؟ فقال: لا والله يا سيدي فقال: إنها زعمت أني أشرت على أبي الحسن بالمسير إلى مدينة البصرة وانني دبرت بذلك حيلة لأجل عدم المراسلة والمواصلة فحلفت لها أن ذلك لم يكن فلم تصدقني ومضت إلى سيدتها وهي على ما هي عليه من سوء الظن لأنها كانت تصغي إلى أبي الحسن، فقال الجواهرجي: يا أخي إني فهمت من حال هذه الجارية هذا الأمر ولكن إن شاء الله تعالى أكون عوناً لك على مرادك فقال له علي بن بكار: وكيف تعمل معها وهي تنفر كوحش الفلاة؟ فقال له: لا بد أن أبذل جهدي في مساعدتك واحتيالي في التوصل إليها من غير كشف ستر ولا مضرة ثم استأذن في الإنصراف فقال له علي بن بكار: يا أخي عليك بكتمان السر ثم نظر إليه وبكى فودعه وانصرف، وهو لا يدري كيف يعمل في إسعاف علي بن بكار ومازال ماشياً وهو متفكر في أمره إذ رأى ورقة مطروحة في الطريق فأخذها ونظر عنوانها وقرأها فإذا هي من المحب الأصغر إلى الحبيب الأكبر ففتح الورقة فرأى مكتوباً فيها هذين البيتين من الشعر :-
جاء الرسول بوصل منك يطمعني* * * وكان أكثر ظني أنـه وهـمـا
فما فرحت ولكن زادني حـزنـاً * * * علمي بأن رسولي لم يمن فهمـا
و بعد فاعلم يا سيدي أنني لم أدر ما سبب قطع المراسلة بيني وبينك ، فإن يكن صدر منك الجفاء فأنا أقابله بالوفاء ، وإن يكن ذهب منك الوداد فانا أحفظ الود على البعاد كما يقول الشاعر:
به أحتمل وأستطل أصبر وعز أهن .. وولٌٍ أقبل ، وقل أسمع ، ومر أطع.
فلما قرأها إذا بالجارية أقبلت تتلفت يميناً وشمالاً فرأت الورقة في يده فقالت: إن هذه الورقة وقعت مني فلم يرد عليها جواباً ومشى ومشت الجارية خلفه إلى أن أقبل على داره ودخل والجارية خلفه فقالت له: يا سيدي رد لي هذه الورقة فإنها سقطت مني فالتفت إليها وقال: يا جارية لا تخافي ولا تحزني ولكن أخبريني الصدق فإني كتوم للأسرار وأحلفك يميناً أنك لا تخفي عني شيئاً من أمر سيدتك فعسى الله أن يعينني على قضاء أغراضك ويسهل الأمور الصعاب على يدي، فلما سمعت الجارية كلامه قالت: يا سيدي ما ضاع سر أنت حافظه ولا خاب أمر أنت تسعى في قضائه ن اعلم أن قلبي مال إليك فانا أخبرك بحقيقة الأمر لتعطيني الورقة، ثم أخبرته بالخبر كله وقالت: والله على ما أقول شهيد، فقال لها: صدقت فإن عندي علم بأصل الخبر ثم حدثها بحديث علي بن بكار وكيف أخذ ضميره وأخبرها بالخبر من أوله إلى آخره. فلما سمعت ذلك فرحت واتفقا على انها تأخذ الورقة وتعطيها لعلي بن بكار وجميع ما يحصل ترجع إليه وتخبره به فأعطاها الورقة فأخذتها وختمتها كما كانت وقالت: إن سيدتي شمس النهار أعطتها إلي مختومة فإذا قرأها ورد جوابها أتيتك به. ثم إن الجارية ودعته وتوجهت إلى علي بن بكار فوجدته في الإنتظار فاعطته الورقة وقرأها ثم كتب لها ورقة رد للجواب وأعطاها لها فأخذتها ورجعت بها إلى الجواهرجي حسب الإتفاق ففض ختمها وقرأها فرأى مكتوباً فيها:
إن الرسول الذي كانت رسائلـنـا * * * مكتومة عنده ضاقت وقد غضبـا
فاستخلصوا لي رسولاً منكم ثـقة * * * يستحسن الصدق لا يستحسن الكذبا
و بعد فإني لم يصدر مني جفاء ولا تركت وفاء ولا نقضت عهداً ولا قطعت وداً ولا فارقت أسفاً و لا لقيت بعد الفراق إلا تلفاً ولا علمت أصلاً بما ذكرتم ولا أحب غير ما احببتم وحق عالم السر والنجوى ما قصدي غير الإجتماع بمن أهوى وشأني كتمان الغرام وإن أمرضني السقام وهذا شرح حالي والسلام. فلما قرأ الجواهرجي هذه الورقة وعرف ما فيها بكى بكاءً شديداً ثم إن الجارية قالت له: لا تخرج من هذا المكان حتى أعود إليك لأنه قد اتهمني بأمر من الأمور وهومعذور وانا أريد أن أجمع بينه وبين سيدتي شمس النهار بأي حيلة فإني تركتها مطروحة وهي تنتظر مني رد الجواب. ثم إن الجارية مضت إلى سيدتها ولم تغب إلا قليلاً وعادت إلى الجواهرجي وقالت له: احذر أن يكون عندك جارية أم غلام؟ فقال: ما عندي غير جارية سوداء كبيرة السن تخدمني فقامت الجارية وأغلقت الأبواب بين جارية الجواهرجي وبينه وصرفت غلمانه إلى خارج الدار ثم خرجت الجارية وعادت ومعها جارية خلفها ودخلت دار الجواهرجي فعبقت الدار من الطيب فلما رآها الجواهرجي نهض قائماً ووضع لها مخدة وجلس بين يديها فمكثت ساعة لا تتكلم حتى استراحت ثم كشفت وجهها فخيل للجواهرجي أن الشمس أشرقت في منزله ثم قالت لجارتها: هذا الرجل الذي قلت لي عليه؟ فقالت الجارية: نعم فالتفتت إلى الجواهرجي وقالت له: كيف حالك؟ قال: بخير، ودعا لها، فقالت: إنك حملتنا المسير إليك وإن نطلعك على ما يكون من سرنا، ثم سألته عن اهله وعياله فأخبرها بجميع احواله وقال لها: إن لي داراً غير هذه الدار جعلتها للإجتماع بالاصحاب والأخوان ليس لي فيها إلا ما ذكرته لجاريتك، ثم سألته عن كيفية اطلاعه على أصل القصة فاخبرها بما سألته عنه من أول الأمر إلى آخره فتأوهت على فراق إبي الحسن وقالت: يا فلان اعلم أن أرواح الناس متلائمة في الشهوات والناس بالناس ولا يتم عمل إلا بقول، ولا يتم غرض إلا بمعين، ولا تحصل راحة إلا بعد تعب.
إلى اللقاء فموعدنا الجزء الخامس من قصة علي بن بكار مع شمس النهار
رابط الجزء الخامس
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم