حكاية علي بن بكار مع شمس النهار الجزء الثامن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ..😊...
استكمالا لكلام الجارية مع الجواهرجي ..
قالت الجارية للجواهرجي: توجه يا سيدي إلى علي بن بكار سريعاً وأخبره بذلك لأجل أن يكون على أهبة فإذا انكشف الأمر نتدبر في شيء نفعله لنجاة أنفسنا. فأخذني من ذلك هم عظيم وصار الكون في وجهي ظلاماً من كلام الجارية وهمت الجارية بالإنصراف فقلت لها: وما الرأي؟ فقالت لي: الرأي أن تبادر إلى علي بن بكار إن كان صديقك وتريد له النجاة وعليك تبليغه هذا الخبر بسرعة وأنا علي أن أتقيد باستنشاق الأخبار ثم ودعتني وخرجت. فلما خرجت
الجارية قمت وخرجت في أثرها وتوجهت إلى علي بن بكار فوجدته يحدث نفسه بالوصل ويعللها بالمجال فلما رآني رجعت إليه عاجلاً قال: إني أراك رجعت إلي في الحال قلت له: أقصر من التعلق البطال ودع ما أنت فيه من الإشتعال فقد حدث حادث يقضي إلى تلف نفسك ومالك فلما سمع هذا الكلام تغير حاله وانزعج وقال للجواهرجي: يا أخي أخبرني بما وقع؟ فقال له الجواهرجي: يا سيدي اعلم أنه قد جرى ما هو كذا وكذا وانك إن أقمت في دارك هذه إلى آخر النهار فأنت تالف لا محالة، فبهت علي بن بكار وكادت روحه أن تفارق جسده، ثم استرجع بعد ذلك وقال له: ماذا نفعل يا أخي وما عندك من الرأي؟ قال الجواهرجي، فقلت له: الرأي أن تأخذ معك من مالك ما تقدر عليه ومن غلمانك ما تثق به وان تمضي بنا إلى ديار غير هذه قبل أن ينقضي هذا النهار فقال سمعاً وطاعة، ثم وثب وهو متحير في أمره فتارة يمشي وتارة يقع وأخذ ما قدر عليه واعتذر إلى أهله وأوصاهم بمقصوده وأخذ معه ثلاثة جمال محملة وركب دابة وقد فعلت أنا كما فعل، ثم خرجنا خفية وسرنا ولم نزل سائرين باقي يومنا وليلتنا فلما كان آخر النهار حططنا حمولنا وعقلنا وجمالنا ونمنا فحل علينا التعب وغفلنا عن انفسنا وإذا باللصوص أحاطوا بنا وأخذوا جميع ما كان معنا وقتلوا الغلمان ثم تركونا بأماكننا ونحن في أقبح حال بعد أن أخذوا المال وساروا، فلما قمنا مشينا إلى أن أصبح الصباح فوصلنا إلى بلد فدخلناها وقصدنا مسجده ونحن عرايا وجلسنا في جنب المسجد باقي يومنا فلما جاء الليل بتنا في المسجد تلك الليلة ونحن من غير أكل ولا شرب فلما أصبح الصباح وجلسنا وإذا برجل داخل فسلم علينا وصلى ركعتين. ثم التفت إلينا وقال: يا جماعة هل انتم غرباء؟ قلنا: نعم وقطع اللصوص علينا الطريق وغزونا ودخلنا هذه البلدة ولا نعرف فيها أحداً نأوي عنده، فقال لنا الرجل هل لكم أن تقوموا معي إلى داري؟ قال الجواهرجي فقلت لعلي بن بكار: قم بنا معه فننجوا من أمرين: الأول اننا نخشى أن يدخل علينا احد يعرفنا في هذا المسجد فنفتضح، والثاني أننا أناس غرباء وليس لنا مكان نأوي إليه.
فقال علي بن بكار: افعل ما تريد ثم إن الرجل قال لنا ثاني مرة: يا فقراء أطيعوني وسيروا معي إلى مكاني قال الجواهرجي فقلت له: سمعاً وطاعة، ثم إن الرجل خلع لنا شيئاً من ثيابه وألبسنا ولاطفنا فقمنا معه إلى داره فطرق الباب فخرج إلينا خادم صغير وفتح الباب، فدخل الرجل صاحب المنزل ودخلنا خلفه ثم إن الرجل أمر بإحضار بقجة فيها أثواب وشاشات فألبسنا حلتين وأعطانا وأعطانا شاشين فتعممنا وجلسنا وإذا بجارية أقبلت لإلينا بمائدة ووضعتها بين أيدينا فاكلنا وشربنا شيئاً يسيراً ورفعت المائدة ثم أقمنا عنده إلى أن حل الليل. فتأوه علي بن بكار وقال للجواهرجي: يا أخي اعلم انني هالك لا محالة وأريد أن اوصيك وصية وهو انك إذا رأيتني مت تذهب إلى والدتي وأخبرها أن تأتي إلى هذا المكان لأجل أن تأخذ عزائي، وتحضر غسلي وأوصيها أن تكون صابرة على فراقي ثم وقع مغشياً عليه فلما أفاق سمع جارية تغني من بعيد وتنشد الأشعار فصار يصغي إليها ويسمع صوتها وهو تارة يضحك وتارة يبكي شجناً وحزناً مما أصابه فسمع الجارية تطرب بالنغمات وتنشد هذه الأبيات:
عجل البين بيننـا بـالـفـراق ...
بعد ألف وجـيرة واتـفـاق
فرقت بيننا صروف اللـيالـي ...
ليت شعري متى يكون التلاقي
ما أمر الفراق بعد اجتـمـاع ...
ليته ما أضر بـالـعـشـاق
غصة الموت ساعة ثم تنقضي ...
وفراق الحبيب في القلب باق
لو وجدنا إلى الفراق سـبـيلاً ...
لأذقنا الفراق طعم الـفـراق
فلما سمع ابن بكار إنشاد الجارية شهق شهقة ففارقت روحه جسده، قال الجواهرجي: فلما رأيته مات أوصيت عليه الدار وقلت له: اعلم أنني متوجه إلى بغداد لأخبر والدته وأقاربه حتى يأتوا ليجهزوه ثم إني توجهت إلى بغداد ودخلت داري وغيرت ثيابي وبعد ذلك ذهبت إلى دار علي بن بكار فلما رآني غلمانه أتوا إلي وسألوني عنه وسألتهم أن يستأذنوا لي والدته في الدخول عليها فأذنت لي بالدخول وسلمت عليها وقلت: إن الله إذا قضى أمراً لا مفر من قضائه وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً فتوهمت أم علي بن بكار من هذا الكلام أن ابنها قد مات فبكت بكاءً شديداً، ثم قالت: بالله عليك أن تخبرني هل توفي ولدي؟ فلم أقدر أن أرد عليها جواباً من كثرة الجزع، فلما رأتني على تلك الحالة انخنقت بالبكاء ثم وقعت على الأرض مغشياً عليها فلما أفاقت من غشيتها قالت: ما كان من أمر ولدي؟ فقلت لها: عظم الله أجرك فيه ثم إني حدثتها بما كان من أمره من المبتدأ إلى المنتهى قالت: أوصاك بشيء؟ فقلت لها: نعم وأخبرتها بما أوصاني به وقلت لها: أسرعي في تجهيزه فلما سمعت أم علي بن بكار كلامي سقطت مغشياً عليها فلما أفاقت عزمت على ما أوصيتها به ثم إني رجعت إلى داري وسرت في الطريق أتفكر في حسن شبابه فبينما أنا كذلك وإذا بامرأة قبضت على يدي ، فتأملتها فرأيتها الجارية التي كانت تمشي من عند شمس النهار وقد علاها الإنكسار فلما تعارفنا بكينا جميعاً وسرنا حتى أتينا إلى تلك الدار فقلت لها: هل علمت بخبر علي بن بكار؟ فقالت: لا والله، فأخبرتها بخبره وما كان من أمره ثم إني قلت لها: كيف حال سيدتك؟ فقالت: لم يقبل أمير المؤمنين قول أحد فيها لشدة محبته لها وقد حمل جميع أمورها على المحامل الحسنة وقال لها: يا شمس النهار أنت عندي عزيزة وانا اتحملك على رغم أعدائك ثم أمر لها بفرش مقصورة مذهبة وحجرة مليحة وصارت عنده من ذلك في قبول عظيم، فاتفق أنه جلس يوماً من الأيام على جري عادته للشراب، وحضرت المحاذي بين يديه فأجلسهن في مراتبهن وأجلسها بجابنه وقد عدمت صبرها وزاد أمرها فعند ذلك أمر جارية من الجواري أن تغني فأخذت العود وضربت به وجعلت تقول:
وداع دعاني للهـوى فـأجـبـتـه ...
ودمعي بحط الوجد حطا على خدي
كأن دموع العين تخبـر حـالـنـا ....
فتبدي الذي أخفى وتخفي الذي أبدي
فكيف أروم السر او أكتم الـهـوى ...
وفرط غرامي فيك يظهر ما عندي
وقد طاب موتي عند فقد أحبـتـي ...
فيا ليت شعري ما يطيب لهم بعدي
فلما سمعت شمس النهار إنشاد الجارية لم تستطع الجلوس ثم سقطت مغشياً عليها فرمى الخليفة القدح وجذبها عنده وصاح وصاحت الجواري وقلبها أمير المؤمنين فوجدها ميتة فحزن أمير المؤمنين لموتها وأمر أن يكسر جميع ما كان في الحضرة من الآلات والقوانين وحملها في حجرة بعد موتها ومكث عندها باقي ليلته فلما طلع النهار جهزها وأمر بغسلها ودفنها وحزن عليها حزناً كثيراً ولم يسأل عن حالها ولا عن الأمر الذي كانت فيه ثم قالت الجارية للجواهرجي: سألتك بالله أن تعلمني بوقت خروج جنازة علي بن بكار وأن تحضرني دفنه، فقال لها: أما أنا ففي أي محل شئت تجديني وأما أنت فمن يستطيع الوصول إليك في المحل الذي أنت فيه. فقالت له: إن أمير المؤمنين لما ماتت شمس النهار أعتق جواريها من يوم مماتها وأنا من جملتهن ونحن مقيمات على تربتها في المحل الفلاني فقمت معها وأتيت المقبرة وزرت شمس النهار ثم مضيت إلى حالي ولم أزل أنتظر جنازة علي بن بكار إلى أن جاءت فخرجت له أهل بغداد وخرجت معه فوجدت الجارية بين النساء وهي أشدهن حزناً ولم أر جنازة أعظم من هذه الجنازة وما زلنا في ازدحام عظيم إلى أن أتينا إلى قبره ودفناه وصرت لا أنقطع عن زيارته ولا عن زيارة شمس النهار.
لا تنسوا متابعة المدونة و الاشتراك بها ليصلكم كل جديد.
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم