حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان (الجزء الثامن عشر)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊..قال الخزندار للأمجد و الأسعد: بروحي أفديكما ثم نهض من وقته وساعته وأعتقهما وسألهما عن سبب فك وثاقهما وقدومهما فأخبراه أنهم عطشا وانحل الوثاق من أحدهما ففك الآخر بسبب خلوص نيتهما ثم إنهما اقتفيا الأثر حتى وصلا إليه، فلما سمع كلامهما شكرهما على ما فعلهما وخرج معهما إلى ظاهر الغابة، فقالا له: يا عم افعل ما امرك به أبونا. فقال: حاشا لله أن أصيبكما بضرر ولكن اعلما أني أريد أن أنزع ثيابكما وألبسكما ثيابي وأملأ قنينتين من دم الأسد ثم أروح إلى الملك وأقول له : إني قتلتهما، وأما أنتما فسيحا في
البلاد ، وأرض الله واسعة واعلما يا سيدي أن فراقكما يعز علي، ثم بكى كل من الخازندار والغلامين وخلعا ثيابهما وألبسهما ثيابه وراح إلى الملك بعد أخذ ذلك وربط قماش كل واحد منهما في بقجة معه وملأ القنينتين من دم الأسد وجعل البقجتين قدامه على ظهر الجواد ثم ودعهما وسار متوجهاً إلى المدينة.و لم يزل سائراً حتى دخل على الملك وقبل الأرض بين يديه فرآه الملك متغير الوجه وذلك مما جرى له من الأسد فظن أن ذلك من قتل أولاده ففرح وقال له: هل قضيت الشغل؟ قال: نعم يا مولانا، ثم ناوله البقجتين اللتين فيهما الثياب والقنينتين الممتلئتين بالدم فقال له الملك: ماذا رأيت منهما وهل أوصياك بشيء؟ قال: وجدتهما صابرين محتسبين لما نزلت بهما وقد قالا لي: إن أبانا معذور فاقرئه منا السلام وقل له: أنت في حل من قتلنا ومن دمائنا ولكن نوصيك أن تبلغه هذين البيتين وهما:
إن النساء شياطين خلقن لـنـا **
نعوذ بالله من كيد الشياطـين.
نعوذ بالله من كيد الشياطـين.
فهن أصل البليات التي ظهرت **
بين البرية في الدنيا وفي الدين .
بين البرية في الدنيا وفي الدين .
فلما سمع الملك من الخازندار هذا الكلام أطرق رأسه إلى الأرض ملياً وعلم أن كلام ولديه يدل على أنهما قد قتلا ظلماً ثم تفكر في مكر النساء ودواهيهن وأخذ البقجتين وفتحهما وصار يقلب ثياب أولاده ويبكي ، فلما فتح ثياب ولده الأسعد وجد في جيبه ورقة مكتوبة بخط زوجته بدور ومعها جدائل شعرها ففتح الورقة وقرأها وفهم معناها وتأكد بالفعل أن ولده الأسعد مظلوم ولما قلب ثياب الأمجد وجد في جيبه ورقة مكتوبة بخط زوجته حياة النفوس وفيها جدائل شعرها ففتح الورقة وقرأها فعلم أنه مظلوم فدق يداً على يد وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قد قتلت أولادي ظلماً، ثم صار يلطم على وجهه ويقول: وااا ولداه.. وااا طول حزناه، وأمر ببناء قبرين في بيت الأحزان وكتب على القبرين اسمي ولديه وترامى على قبر الأمجد وبكى وأن واشتكى وانشد هذه الأبيات:
يا قمر قد غاب تحت الثـرى**
بكت عليه الأنجم الزاهـرة .
بكت عليه الأنجم الزاهـرة .
يا قضيباً لـم يمـس بـعـده **
معاطف للأعين النـاظـرة
منعت عينيي عنك من غيرتي **
علـيك لا أراك لـلآخـرة .
معاطف للأعين النـاظـرة
منعت عينيي عنك من غيرتي **
علـيك لا أراك لـلآخـرة .
وأغرقت بالسهد في دمها **
وإنني من ذاك بالعاهرة .
وإنني من ذاك بالعاهرة .
ثم ترامى على قبر الأسعد وبكى وأن واشتكى وأفاض العبرات وأنشد هذه الأبيات: كلمات معبرة رثاء الابن المتوفي
قد كنت أهوى أن أشاطرك الردى **
لكن الـلـه أراد غـير الـردى .
لكن الـلـه أراد غـير الـردى .
سودت ما بين الفضاء وناظـري **
ومحوت من عيني كـل سـواد.
ومحوت من عيني كـل سـواد.
لا ينفذ الدمع الذي أبـكـي بـه **
إن الـفـؤاد لـه مـن الأمـداد .
إن الـفـؤاد لـه مـن الأمـداد .
أعز علي بأن أراك بمـرضـع**
متشابـه الأوغـاد والأمـجـاد .
متشابـه الأوغـاد والأمـجـاد .
و لما فرغ من شعره هجر الأحزان والخلان وانقطع في البيت الذي سماه بيت الأحزان وصار يبكي على أولاده وقد هجر نسائه وأصحابه وأصدقائه. هذاما كان من أمره، وأما ما كان من أمر الأمجد والأسعد فإنهما لم يزالا سائران في البرية وهما يأكلان من نبات الأرض ويشربان من متحصلات الأمطار مدة شهر كامل حتى انتهى بهما المسير إلى جبل من الصوان الأسود لا يعلم أين منتهاه والطريق افترقت عند ذلك الجبل طريقين، طريق تشقه من وسطه وطريق ساعده إلى أعلاه فسلكا الطريق التي في أعلى الجبل واستمرا سائران خمسة أيام فلم يرله منتهى وقد حصل لهما الإعياء من التعب وليسا معتادين على المشي في جبل ولا في غيره ولما يئسا من الوصول إلى منتهاه رجعا وسلكا الطريق التي في وسط الجبل ، فمشيا طول النهار إلى الليل وقد تعب الأسعد من كثرة السير فقال له لأخيه: يا أخي أنا ما بقيت أقدر على المشي فإني ضعفت جداً، فقال له الأمجد: يا أخي شد حيلك لعل الله يفرج عنا، ثم إنهما مشيا ساعة من الليل وقد تعب الأسعد تعباً شديداً ما عليه من مزيد وقال: يا أخي إني تعبت وكليت من المشي، ثم وقع في الأرض وبكى فحمله أخوه الأمجد ومشى به وصار ساعة يمشي وساعة يستريح إلى أن لاح الفجر حتى استراح هو و أخوه فطلع هو وإياه فوق الجبل فوجد عيناً نابعة يجري منها الماء وعندها شجرة رمان ومحراب فما قصدا أنهما يريان ذلك، ثم جلسا عند تلك العين وشربا من مائها وأكلا من رمان تلك الشجرة وناما في ذلك الموضع حتى طلعت الشمس ثم جلسا واغتسلا من العين وأكلا من الرمان الذي في الشجرة وناما إلى العصر وأرادا أن يسيرا فما قدر الأسعد على السير وقد ورمت رجلاه فأقاما هناك ثلاثة أيام حتى استراحا، ثم سارا في الجبل مدة أيام وهما سائران فوق الجبل وقد تعبا من العطش إلى أن لاحت لهما مدينة من بعيد ففرحا وسارا حتى وصلا إليها. فلما قربا منها شكرا الله تعالى وقال الأمجد للأسعد: يا أخي اجلس هنا وأنا أسير إلى هذه المدينة وأنظر ما شأنها وأسأل عن أحوالها لأجل أن نعرف أين نحن من أرض الله الواسعة ونعرف الذي قطعناه من البلاد في عرض هذا الجبل ولو أننا مشينا في وسطه ما كنا نصل إلى هذه المدينة في سنة كاملة، فالحمد لله على السلامة، فقال له الأسعد: والله يا أخي ما يذهب إلى المدينة غيري وأنا فداؤك، فإنك إن تركتني ونزلت وغبت عني تستغرقني الأفكار من أجلك وليس لي قدرة على بعدك عني، فقال له الأمجد: توجه ولا تبطئ، فنزل الأسعد من الجبل وأخذ معه دنانير وخلى أخاه ينتظره وسار ماشياً إلى أسفل الجبل حتى دخل المدينة وشق في أزقتها فلقيه رجل كبير طاعن في السن وقد نزلت لحيته على صدره وافترقت فرقتين وبيده عكاز وعليه ثياب فاخرة وعلى رأسه عمامة كبيرة حمراء، فلما رآه الأسعد تعجب من لبسه وهيئته وتقدم إليه وسلم عليه وقال له: أين طريق السوق يا سيدي؟ فلما سمع الشيخ كلامه تبسم في وجهه وقال له: يا ولدي كأنك غريب؟ فقال له الأسعد: نعم أنا غريب يا عم ، فقال له الشيخ: قد آنست ديارنا وأوحشت ديار أهلك فما الذي تريده من السوق ؟ فقال الأسعد: يا عم إن لي أخاً تركته في الجبل ونحن مسافران من بلاد بعيدة ولنا في السفر مدة ثلاثة شهور وقد أشرفنا على هذه المدينة فجئت إلى هنا لأشتري طعاماً وأعود به إلى أخي لأجل أن نقتات به، فقال الشيخ له: يا ولدي أبشر بكل خير واعلم أنني عملت وليمة وعندي ضيوف كثيرة وجمعت فيها من أطيب الطعام وأحسنه ما تشتهيه النفوس فهل لك أن تسير معي إلى مكاني فأعطيك ما تريد ولا آخذ منك ثمناً وأخبرك بأحوال هذه المدينة والحمد لله يا ولدي حيث وقعت بك ولم يقع بك أحد غيري. فقال الأسعد افعل ما أنت آمله و عجل فإن أخي ينتظرني وخاطره عندي، فأخذ الشيخ بيد الأسعد ورجع به إلى زقاق ضيق وصار يبتسم في وجهه ويقول له: سبحان من نجاك من أهل هذه المدينة، ولم يزل ماشياً به حتى دخل داراً واسعة وفيها قاعة جالساً فيها أربعون شيخاً طاعنون في السن وهم مصطفون حلقة وفي وسطهم نار موقدة والمشايخ جالسون حولها يعبدونها ويسجدون لها، فلما رأى ذلك الأسعد اقشعر بدنه ولم يعلم ما خبرهم، ثم إن الشيخ قال لهؤلاء الجماعة: يا مشايخ النار ما أبركه من نهار، ثم نادى قائلاً يا غضبان، فخرج عبد أسود بوجه أعبس وأنف أفطس وقامة مائلة وصورة هائلة ثم أشار إلى العبد فشد وثاق الأسعد. وبعد ذلك قال للعبد: انزل به إلى القاعة التي تحت الأرض واتركه هناك وقل للجارية الفلانية تتولى عذابه بالليل والنهار، فأخذه العبد وأنزله تلك القاعة وسلمه إلى الجارية فصارت تتولى عذابه وتعطيه رغيفاً واحداً في أول النهار ورغيفاً واحداً في أول الليل وكوز ماء مالح في الغداة ومثله في العشاء ثم إن المشايخ قالوا لبعضهم: لما يأتي أوان عيد النار نذبحه على الجبل ونتقرب به إلى النار، ثم إن الجارية نزلت إليه وضربته ضرباً وجيعاً حتى سالت الدماء من أعضائه وغشي عليه، ثم حطت عند رأسه رغيفاً وكوز ماء مالح وراحت وخلته فاستفاق في نصف الليل فوجد نفسه مقيداً وقد آلمه الضرب فبكى بكاءً شديداً وتذكر ما كان فيه من العز والسعادة والملك والسيادة ، فبكى وصعد الزفرات وانشد هذه الأبيات: أجمل الاشعار عن الفراق و فراق الديار
قفوا برسم الدار واستخبروا عنها **
تحسبونا في الديار كما كـنـا .
لقد فرق الدهر المشتت شملنـا **
وهنا تشتفي أكباد حسادنا مـنـا .
تحسبونا في الديار كما كـنـا .
لقد فرق الدهر المشتت شملنـا **
وهنا تشتفي أكباد حسادنا مـنـا .
تولت عذابي بالـسـياط لـئيمة**
وقد ملئت منها جوانحي طعنـا .
وقد ملئت منها جوانحي طعنـا .
عسى ولعل الله يجمع شملـنـا **
ويدفعوا بالتنكيل أعداءنا عـنـا .
ويدفعوا بالتنكيل أعداءنا عـنـا .
فلما فرغ الأسعد من شعره مد يده فوجد رغيفاً وكوز ماء مالح فأكل قليلاً ليسد رمقه وشرب قليلاً من الماء ولم يزل ساهراً إلى الصباح من كثرة البق والقمل فلما أصبح الصباح جاءت إليه الجارية ونزعت عنه ثيابه وكانت قد غمرت بالدم والتصقت بجلده وهو مقيد في الحديد بعيداً عن الأحباب فتذكر أخاه والعز الذي كان فيه.
إلى اللقاء فموعدنا الجزء التاسع عشر
إلى اللقاء فموعدنا الجزء التاسع عشر
رابط الجزء الثاني عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثالث عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الرابع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الخامس عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء السادس عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء السابع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثامن عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء التاسع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء العشرون من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الحادي والعشرون من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثاني و العشرون و الاخير من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثالث عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الرابع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الخامس عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء السادس عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء السابع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثامن عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء التاسع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء العشرون من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الحادي والعشرون من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثاني و العشرون و الاخير من حكاية قمر الزمان
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم