السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
بدور بنت الجوهري مع جبير بن عمير الشيباني ( الجزءالثالث )
قال علي بن منصور فبينما أنا أندب أهل هذه الدار بهذه الأبيات يا أمير المؤمنين وإذا بعبد أسود قد خرج إلي من الدار فقال : يا شيخ اسكت ثكلتك أمك ما لي أراك تندب هذه الدار بهذه الأبيات فقلت له : إني كنت أعهدها لصديق من أصدقائي فقال : وما اسمه ؟ فقلت : جبير بن عمير الشيباني قال : وأي شيء جرى له الحمد لله ها هو على حاله من الغنى والسعادة والملك لكن ابتلاه بمحبة جارية يقال لها السيدة بدور وهو في محبتها مغمور من شدة الوجد والتبريح فهو كالحجر الجلمود والطريح فإن جاع لا يقول لهم أطعموني وإن عطش لا يقول اسقوني فقلت : استأذن لي في الدخول عليه . فقال : يا سيدي أتدخل على من لا يفهم فقلت : لا بد أن أدخل إليه على كل حال مستأذناً ثم عاد إلي آذناً فدخلت عليه فوجدته كالحجر الطريح لا يفهم بإشارة ولا بصريح وكلمته فلم يكلمني فقال لي بعض أتباعه : يا سيدي إن كنت تحفظ شيئاً من الشعر فأنشده إياه وارفع صوتك به فإنه ينتبه لذلك ويخاطبك فأنشدت هذين البيتين:
أسلوت حب بدور أم تتجـلـد * * *
وسهرت ليلك أم جفونك ترقد
وسهرت ليلك أم جفونك ترقد
إن كان دمعك سائلاً مهمـولة * * *
فاعلم بأنك في الجنان مخلـد
فاعلم بأنك في الجنان مخلـد
فلما سمع هذا الشعر فتح عينيه وقال : مرحباً يا ابن منصور قد صار الهزل جداً فقلت له : يا سيدي ألك بي حاجة ، قال : نعم أريد أن اكتب إليها ورقة وارسلها معك فإن تأتيني بجوابها فلك علي ألف دينار وإن لم تأتني بجوابها فلك علي حق مشيتك مائة دينار فقال له : افعل ما بدا لك . فنادى بعض جواريه وقال ائتيني بدواة وقرطاس فأتته بما طلبه فكتب هذه الأبيات:
سألتكم بالله يا سـادتـي مـهـلاً * * *
علي فإن الحب لم يبق لي عقـلا.
علي فإن الحب لم يبق لي عقـلا.
تمكن مني حـبـكـم وهـواكـم * * *
فألبسني سقمـاً وأورثـنـي ذلا.
فألبسني سقمـاً وأورثـنـي ذلا.
لقد كنت قبل اليوم أستصغر الهوى * * *
وأحسبه يا سادتي هينـاً سـهـلا.
وأحسبه يا سادتي هينـاً سـهـلا.
فلما أراني الحب أمواج بـحـره * * *
رجعت لحكم الله أعذر من يبلـى.
رجعت لحكم الله أعذر من يبلـى.
فإن شئتم أن ترحموني بوصلكـم * * *
وإن شئتم قتلي فلا تنسوا الفضلا.
وإن شئتم قتلي فلا تنسوا الفضلا.
ثم ختم الكتاب وناولني إياه فأخذته ومضيت به إلى دار بدور وجعلت أرفع الستر قليلاً قليلاً على العادة وإذا بعشر جوار نهد أبكار كأنهن الأقمار والسيدة بدور جالسة في وسطهن كأنها البدر في وسط النجوم أو الشمس إذا دخلت علي الغيوم وليس بها ألم ولا وجع فبينما أنا أنظر إليها وأتعجب من هذا الحال إذ لاحت بها التفاتة لي فرأتني واقفاً بالباب فقالت لي : أهلاً وسهلاً بك يا ابن منصور ادخل فدخلت وسلمت عليها وناولتها الورقة فلما قرأتها وفهمت ما فيها ضحكت وقالت يا ابن منصور ما كذب الشاعر حيث قال:
فلأصبرن على هواك تجلداً * * *
حتى يجيء إلي منك رسول
حتى يجيء إلي منك رسول
يا ابن منصور ها أنا أكتب لك جواباً حتى يعطيك الذي وعدك به فقلت لها : جزاك الله خيراً فنادت بعض جورايها وقالت : آتيني بدواة وقرطاس فلما أتتها بما طلبت كتبت إليه هذه الأبيات:
ما لي وفيت بعهدكم فغـدرتـم * * *
ورأيتموني منصفاً فظلمـتـم.
ورأيتموني منصفاً فظلمـتـم.
باديتموني بالقطيعة والـجـفـا * * *
وغدرتم والغدر باد مـنـكـم.
وغدرتم والغدر باد مـنـكـم.
ما زلت أحفظ في البرية عهدكم * * *
وأصون عرضكم وأحلف عنكم.
وأصون عرضكم وأحلف عنكم.
حتى رأيت بناظري ما ساءنـي * * *
وسمعت أخبار القبائح عنـكـم.
وسمعت أخبار القبائح عنـكـم.
أيهون قدري حين أرفع قدركم * * *
والله لو أكرمتم لـكـرمـتـم.
والله لو أكرمتم لـكـرمـتـم.
فلأصرفن القلب عنكم سـلـوة * * *
ولأنفضن يدي يأساً مـنـكـم.
ولأنفضن يدي يأساً مـنـكـم.
فقلت لها: والله يا سيدتي أنه ما يقرأ هذه الأبيات إلا وتفارق روحه من جسده فقالت لي : يا ابن منصور بلغ بي الوجد إلى هذا الحد حتى قلت ما قلت فقلت لها : لو قلت أكثر من ذلك الحق لك ولكن العفو من شيم الكرام فلما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع وكتبت إليه رقعة لا يوجد في ديوان امير المؤمنين من يحسن أن يكتب مثلها وكتبت فيها هذه الأبيات:
إلى كم ذا الدلال وذا التجنـي * * *
شفيت وحقك الحساد منـي.
شفيت وحقك الحساد منـي.
لعلي قد أسأت ولسـت أدري * * *
فقل لي ما الذي بلغت عني.
فقل لي ما الذي بلغت عني.
مرادي لو وضعتك يا حبيبي * * *
مكان النوم من عيني وجفني.
مكان النوم من عيني وجفني.
شربت كؤوس حبك مترعات * * *
فأن تراني سكرت فلا تلمني
فأن تراني سكرت فلا تلمني
فلما فرغت من كتابة المكتوب وختمته ناولتني إياه فقلت لها : يا سيدتي إن هذه الرقعة تداوي العليل وتشفي الغليل ثم أخذت المكتوب فنادتني بعدما خرجت من عندها وقالت لي : يا ابن منصور قل له : إنها في هذه الليلة ضيفتك ففرحت أنا بذلك ومضيت بالكتاب إلى جبير بن عمير . فلما دخلت عليه وجدت عينه شاخصة إلى الباب ينتظر الجواب ، فلما ناولته الورقة فتحها وقراها وفهم معناها فصاح صيحة عظيمة ووقع مغشياً عليه ، فلما أفاق قال : يا ابن منصور هل كتبت هذه الرقعة بيدها ولمستها بأناملها قلت : يا سيدي وهل الناس يكتبون بأرجلهم فوالله يا أمير المؤمنين ما استتم كلامي أنا وإياه إلا وقد سمعنا شن خلاخلها في الدهليز وهي داخلة ، فلما رآها قام على أقدامه كأنه لم يكن به ألم قط وعانقها عناق اللام للألف وزالت عنه علته التي لا تنصرف. ثم جلس ولم تجلس هي فقلت لها : يا سيدتي لأي شيء لم تجلسي ، قالت : يا ابن منصور لا أجلس إلا بالشرط الذي بيننا فقلت لها : وما ذلك الشرط الذي بينكما قالت : إن العشاق لا يطلع أحد على أسرارهم ، ثم وضعت فمها على أذنه وقالت له كلاماً سراً فقال : سمعاً وطاعة ، ثم قام جبير ووشوش بعض عبيده فغاب العبد ساعة ثم أتى ومعه قاض وشاهدان فقام جبير وأتى بكيس فيه مائة ألف دينار وقال : أيها القاضي اعقد عقدي على هذه الصبية بهذا المبلغ. فقال لها القاضي : قولي رضيت بذلك فقالت : رضيت بذلك ، فعقدوا العقد ثم فتحت الكيس وملأت يدها منه وأعطت القاضي والشهود ثم ناولته بقية الكيس فانصرف القاضي والشهود وقعدت أنا وإياها في بسط وانشراح إلى أن مضى من الليل أكثره فقلت في نفسي إنهما عاشقان مضت عليهما مدة من الزمان وهما متهاجران ، فأنا أقوم في هذه الساعة لأنام في مكان بعيد عنهما وأتركهما يختليان ببعضهما ، ثم قمت فتعلقت بأذيالي وقالت : ما الذي حدثتك به ؟ فقلت ما هو كذا وكذا فقالت : اجلس فإذا أردنا انصرافك صرفناك فجلست معهما إلى أن قرب الصبح فقالت : يا ابن منصور امض إلى تلك المقصورة لأننا فرشناها لك وهي محل نومك فقمت ونمت إلى الصباح فلما أصبحت جاءني غلام بطشت وإبريق فتوضأت وصليت الصبح ثم جلست فبينما أنا جالس وإذا بجبير ومحبوبته خرجا من حمام الدار وكل منهما يعصر ذوائبه فصبحت عليهما وهنئتهما بالسلامة وجمع الشمل ، ثم قلت له : الذي أوله شرط آخره رضا فقال لي : صدقت وقد وجب لك الإكرام ، ثم نادى خازنداره وقال له ائتني بثلاثة آلاف دينار فأتاه بكيس فيه ثلاثة آلف دينار . فقال لي : تفضل علينا بقبول فقلت له : لا أقبله حتى تحكي سبب انتقال المحبة منها إليك بعد ذلك الصد العظيم قال : سمعاً وطاعة اعلم أن عندنا عيداً يقال له عيد النواريز، يخرج الناس فيه وينزلون في الزورق ويتفرجون في البحر فخرجت أتفرج أنا وأصحابي فرأيت زورقاً فيه عشر جوار كأنهن الأقمار والسيدة بدور وعودها معها فضربت عليه إحدى عشر طريقة ثم عادت إلى الطريقة الأولى وأنشدت هذين البيتين:
النار أبرد مـن نـيران أحـشـائي * * *
والصخر ألين من قلبي لمـولاتـي
والصخر ألين من قلبي لمـولاتـي
إني لأعجب من تألف خـلـقـتـه * * *
قلب من الصخر في جسم من الماء
قلب من الصخر في جسم من الماء
فقلت لها: أعيدي البيتين والطريقة فما رضيت فأمرت التونية أن يرجموها فرجموها بالنارنج حتى خشيت الغرق على الزورق الذي هي فيه ثم مضت إلى حال سبيلها وهذا سبب انتقال المحبة من قلبها إلى قلبي فهنأتهما بجمع الشمل وأخذت الكيس بما فيه وتوجهت إلى بغداد.
فانشرح صدر الخليفة وزال عنه ما كان يجده من الأرق وضيق الصدر.
النهاية
الى اللقاء في حكاية جديدة عبر مدونتنا
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم