السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
بدور بنت الجوهري مع جبير بن عمير الشيباني (الجزء الاول )
كان يا مكان في سالف العصر و الزمان أن أمير المؤمنين هارون الرشيد أرق ليلة من الليالي وتعذر عليه النوم ولم يزل يتقلب من جنب إلى جنب لشدة أرقه فلما أعياه ذلك أحضر الوزير مسرورا وقال : يا مسرور انظر إلى من يسليني على هذا الأرق فقال له : يا مولاي هل لك أن تدخل البستان الذي في الدار وتتفرج على ما فيه من الأزهار وتنظر إلى الكواكب وحسن ترصيعها والقمر بينها مشرف على الماء قال له : يا مسرور إن نفسي لا تهفو إلى شيء من ذلك قال : يا مولاي إن في قصرك ثلاثمائة سرية لكل سرية مقصورة فأنت تأمر كل واحدة منهن أن تختلي بنفسها في مقصورتها وتدور أنت تتفرج عليهن وهن لا يدرين قال : يا مسرور القصر قصري والجواري ملكي غير أن نفسي لا تهفو إلى شيء من ذلك ، قال : يا مولاي مر العلماء والحكماء والشعراء أن يحضروا بين يديك ويفيضوا في المباحث وينشدون الأشعار ويقصون عليك الأشعار ويقصون عليك الحكايات والأخبار قال : ما تهفو نفسي إلى شيء من ذلك قال : يا مولاي مر العلماء والندماء والظرفاء أن يحضروا بين يديك ويتحفوك بغريب النكات قال : يا مسرور إن نفسي ما تهفو إلى شيء من ذلك قال : يا مولاي فاضرب عنقي . لعله يزيل أرقك ويذهب القلق عنك ، فضحك الرشيد وقال : يا مسرور انظر من بالباب من الندماء فخرج مسرور ثم عاد وقال : يا مولاي الذي على الباب علي بن منصور الخليع الدمشقي قال علي به فذهب وأتى به ، فلما دخل قال : السلام عليك يا أمير المؤمنين فرد عليه السلام وقال : يا ابن منصور حدثني بشيء من أخبارك. فقال: يا أمير المؤمنين هل أحدثك بشيء رأيته عياناً أو شيء سمعت به فقال أمير المؤمنين : إن كنت عاينت شيئاً غريباً فحدثنا به فإنه ليس الخبر كالعيان قال : يا أمير المؤمنين اجل لي سمعك وقلبك قال : يا ابن منصور ها أنا سامع لك بأذني ناظر لك بعيني مصغ لك بقلبي قال : يا أمير المؤمنين إن لي كل سنة رسماً على محمد بن سليمان الهاشمي سلطان البصرة فمضيت إليه على عادتي فلما وصلت إليه وجدته متهيئاً للركوب إلى الصيد والقنص فسلمت عليه وسلم علي وقال لي : يا ابن منصور اركب معنا إلى الصيد فقلت له : يا مولاي ما لي قدرة على الركوب فأجلسني في دار الضيافة وأوصى علي الحجاب والنواب ففعلوا. ثم توجه إلى الصيد فأكرموني غاية الإكرام وضيفوني أحسن الضيافة فقلت في نفسي: يا لله العجب إن لي مدة أقدم من بغداد إلى البصرة ولم أعرف أن في البصرة شيء سوى من القصر إلى البستان ومن البستان الى القصر ومتى يكون لي فرصة أنتهزها في الفرجة على جهات البصرة مثل هذه النوبة فأنا أقوم هذه الساعة و أتمشى وحدي لأتفرج وينهضم عني الأكل. فلبست أفخر ثيابي وتمشيت في جانب البصرة ومعلومك يا أمير المؤمنين أن فيها سبعين درباً طول كل درب سبعين فرسخاً بالعراقي فتهت في أزقتها ولحقني العطش ، فبينما أنا ماش يا أمير المؤمنين وإذا بباب كبير له حلقتان من النحاس الأصفر ومرخي عليه ستور من الديباج الأحمر وفي جانبه مصطبتان وفوقه مكعب لدوالي العنب وقد ظللت على ذلك الباب فوقفت أتفرج على هذا المكان ، فبينما أنا واقف سمعت صوت أنين ناشيء عن قلب حزين يقلب النغمات وينشد هذه الأبيات:
جسمي غدا منزل الأسقام والمحن * * *
من أجل ظبي بعيد الدار والوطن
من أجل ظبي بعيد الدار والوطن
فيا نسيمي زرود هيجتما شجـنـي * * *
بالله ربكما عرجا عن سكـنـي
بالله ربكما عرجا عن سكـنـي
وعاتباه لعل العتب يعـطـفـه * * *
واحسناً القول إذ يصغي لقولكما
واحسناً القول إذ يصغي لقولكما
واستدرجا خبر العشاق بينكـمـا * * *
وأولياني جميلاً من صنيعكمـا
وأولياني جميلاً من صنيعكمـا
واعرضا بي و قولاً في حديثكما * * *
ما بال عبد بالهجران تتلفـه
ما بال عبد بالهجران تتلفـه
فقلت في نفسي : إن كان صاحب النغمة مليحاً فقد جمع بين الملاحة وحسن الصوت ثم دنوت من الباب وجعلت أرفع الستر قليلاً قليلاً وإذا بجارية بيضاء كأنها البدر في ليلة أربعة عشر بحاجبين مقرونين وجفنين ناعسين ونهدين مثل رمانتين رقيقتان أقحوانتان وفم كأنه خاتم سليمان ونضيد أسنان يلعب بعقل الناظم والناثر كما قال فيه الشاعر:
يا در ثغر الحبيب من نظمك * * *
وأودع الراح والأقاح فمك
وأودع الراح والأقاح فمك
ومن أعار الصباح مبتسمـك * * *
ومن بقفل العقيق قد ختمك
ومن بقفل العقيق قد ختمك
أصبح من قد رآك من طرب * * *
يتيه عجباً فكيف من لثمـك
يتيه عجباً فكيف من لثمـك
وبالجملة قد حازت أنواع الجمال وصارت فتنة للنساء والرجال لا يشبع من رؤية حسنها الناظر وهي كما قال فيها الشاعر:
إن أقبلت قتلت وإن هي أدبرت * * *
جعلت جميع الناس من عشاقها
جعلت جميع الناس من عشاقها
شمسـية بـدرية لـكـنـهـا * * *
ليس الجفا والصد من أخلاقها
ليس الجفا والصد من أخلاقها
فبينما أنا انظر إليها من خلال الستارة وإذا هي التفتت فرأتني واقفاً على الباب فقالت لجاريتها : انظري من بالباب فقامت الجارية وأتت إلي وقالت : يا شيخ أليس عندك حياء وعيب فقلت لها : يا سيدتي أما الشيب فقد عرفناه وأما العيب فما أظن أني أتيت بعيب ، فقالت سيدتها : وأي عيب أكثر من تهجمك على دار غيرك ونظرك إلى حريم غير حريمك ، فقلت لها : يا سيدتي لي عذر في ذلك فقالت : وما عذرك فقلت لها : إني رجل غريب عطشان وقد قتلني العطش فقالت قبلنا عذرك . ثم نادت بعض جواريها وقالت : يا لطف اسقيه شربة بالكوز الذهب فجاءتني بكوز من الذهب الأحمر مرصع بالدر والجوهر ملآن ماء ممزوج بالمسك الأذفر وهو مغطى بمنديل من الحرير الأخضر فجعلت أشرب وأطيل في شربي وانا سارق النظر إليها حتى طال وقوفي ثم رددت الكوز على الجارية ووقفت فقالت : يا شيخ امض إلى حال سبيلك فقلت لها : يا سيدتي أنا مشغول الفكر فقالت : فبما ؟ فقلت : في تقلب الزمان وتصرف الحدثان ، قالت : يحق لك لأن الزمان ذو عجائب ولكن ما الذي رأيته من عجائبه حتى تفكر فيه فقلت لها : أفكر في صاحب هذا الدار لأنه كان صديقي في حال حياته فقالت لي : ما اسمه فقلت : محمد بن علي الجوهري وكان ذا مال جزيل فهل خلف أولاداً فقالت : نعم بنتاً يقال لها : بدور وقد ورثت أمواله جميعها فقلت لها : كأنك ابنته قالت : نعم وضحكت ثم قالت : يا شيخ قد أطلت الخطاب فاذهب إلى حال سبيلك فقلت لها : لا بد من الذهاب ولكني أرى محاسنك متغيرة فأخبريني بشأنك لعل الله يجعل لك على يدي فرجاً فقالت لي : يا شيخ إن كنت من أهل الأسرار كشفنا لك سرنا فأخبرني من أنت حتى أعرفك هل أنت محل للسر أولا، فقد قال الشاعر:
لا يكتم السر إلا كـل ذي ثـقة * * *
والسر عند خيار الناس مكتـوم.
والسر عند خيار الناس مكتـوم.
قد صنت سري في بيت له غلق * * *
وقد ضاع مفتاحه والبيت مختوم.
وقد ضاع مفتاحه والبيت مختوم.
فقلت لها : يا سيدتي إن كان قصدك أن تعلمي من أنا فأنا علي بن منصور الخليع الدمشقي نديم أمير المؤمنين هارون الرشيد ، فلما سمعت باسمي نزلت من على كرسيها وسلمت علي وقالت لي : مرحباً بك يا ابن منصور والآن أخبرك بحالي وأستأمنك على سري : أنا عاشقة مفارقة فقلت : يا سيدتي أنت مليحة ولا تعشقين إلا كل مليح فمن الذي تعشقينه قالت : أعشق جبير بن عمير الشيباني أمير بني شيبان ...
الى اللقاء في الجزء الثاني
الى اللقاء في الجزء الثاني
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم