حكاية الجارية تودد و فصاحتها مع هارون الرشيد ( الجزء الثالث )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
ان الجارية لما سألها الفقيه الثاني وأجابته وقال لها: أحسنت . قالت: يا أمير المؤمنين إنه قد سألني حتى عيي. وأنا أسأله مسألتين فإن أتى بجوابهما فذاك . وإلا أخذت ثيابه وانصرف بسلام . فقال لها الفقيه : سليني ما شئت ، قالت : فما تقول في الإيمان ؟ قال : الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح و قال عليه الصلاة والسلام : لا يكمل المرء في الإيمان حتى يكمل فيه خمس خصال التوكل على الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله وأن تكون أموره لله فإنه ، من أحب لله ، وأعطى لله ، ومنع لله فقد استكمل الإيمان . قالت : فأخبرني عن فرض الفرض وعن فرض في ابتداء كل فرض وعن فرض يحتاج إليه كل فرض وعن الفرض المستغرق كل فرض ، و سنة داخلة في الفرض وعن سنة يتم بها الفرض فسكت ولم يجب بشيء . فأمرها أمير المؤمنين بأن تفسرها وأمره أن ينزع ثيابه ويعطيها إياها . فعند ذلك قالت : يا فقيه أما فرض الفرض فمعرفة الله تعالى . وأما الفرض الذي في ابتداء كل فرض فهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . وأما الفرض الذي يحتاج إليه كل فرض فهو الوضوء . وأما الفرض المستغرق كل فرض فهو الغسل من الجنابة . وأما السنة الداخلة في الفرض فهي تخليل الأصابع وتخليل اللحية الكثيفة ، وأما السنة التي يتم بها الفرض فهو الإختتان . فعند ذلك تبين عجز الفقيه . وقام على قدميه وقال : أشهد الله يا أمير المؤمنين أن هذه الجارية أعلم مني بالفقه وغيره . ثم نزع ثيابه وانصرف مقهوراً. وأما حكايتها مع المقرئ فإنها التفتت إلى من بقي من العلماء الحاضرين وقالت : أيكم الأستاذ المقرئ ، العالم بالقرآن السبع ، والنحو واللغة ؟ فقام إليها المقرئ وجلس بين يديها وقال لها: هل قرأت كتاب الله تعالى وأحكمت معرفة آياته وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومكيه ومدنيه وفهمت تفسيره وعرفتيه على الروايات والأصول في القرآن ؟ قالت : نعم . قال : أخبريني عن عدد سور القرآن وكم فيه من عشر وكم فيه من آيات وكم فيه من حرف وكم فيه من سجدة وكم فيه من نبي مذكور وكم فيه من سورة مدنية وكم فيه من سورة مكية وكم فيه من طير؟ قالت : يا سيدي أما سور القرآن فمائة وأربع عشرة سورة ، المكي منها سبعون والمدني أربع وأربعون ، وأما أعشاره فستمائة واحد وعشرون عشراً وأما الآيات فست آلاف ومائتان آية ، وأما أحرفه فثلاثة وعشرون ألفاً وستمائة وسبعون حرفاً ، وللقارئ بكل حرف عشر حسنات ، و أما السجدات فأربع عشر سجدة ، وأما الأنبياء الذين ذكرت أسماؤهم في القرآن فخمسة وعشرون نبياً وهم : آدم ونوح و إبراهيم وإسماعيل و اسحق و يعقوب و يوسف و اليسع و لوط و صالح و هود و شعيب و داود و سليمان و ذو الكفل و إدريس و إلياس و يحيى و زكريا و أيوب و موسى وهارون ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين ، وأما الطير فهن تسع ، قال: ما اسمهن؟ قالت: البعوض والذباب والنمل والهدهد والغراب والجراد والأبابيل وطير عيسى عليه السلام و هو الخفاش . قال : أحسنت . أي سورة في القرآن أفضل ؟ قالت: سورة البقرة ، قال : فأي آية أعظم ؟ قالت : آية الكرسي وهي خمسون كلمة مع كل كلمة خمسون بركة ، قال : فأي آية فيها تسع آيات؟ قالت قوله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) إلى آخر الآية. قال : أحسنت . فأخبريني أي آية أعدل؟ قالت: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، قال : فأي آية أطمع ؟ قالت له قال الله تعالى : " أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم" . قال لها أحسنت . قال : فأي آية أرجى؟ قالت : قوله تعالى : (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم). قال: أحسنت . فأخبريني بأي قراءة تقرأين؟ قالت: بقراءة أهل الجنة وهي قراءة نافع ، قال : فأي آية كذب فيها الأنبياء ؟ قالت : قوله تعالى : (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) . وهم أخوة يوسف ، قال : فأخبريني أي آية صدق فيها الكفار؟ قالت : قوله تعالى : (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب) . فهم صدقوا جميعاً ، قال : فما آية قالها الله لنفسه ؟ قالت : قوله تعالى : (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) . قال : فأي آية فيها قول الملائكة ؟ قالت : قوله تعالى : (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) . قال : فأخبريني عن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وما جاء فيها ؟ قالت : التعوذ واجب أمر الله به عند القراءة والدليل عليه قوله تعالى : (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) . قال : أخبريني ما لفظ الاستعاذة وما الخلاف فيها ؟ قالت : منهم من يستعيذ بقوله : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم و منهم من يقول : أعوذ بالله القوي. والأحسن ما نطق به القرآن العظيم ووردت به السنة ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا استفتح القرآن قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وروي عن نافع عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي في الليل قال : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، ثم يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن همزات الشياطين ونزعاتهم . وروي عن ابن عباس رضي الله قال: أول ما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم علمه الإستعاذة وقال له : قل يا محمد أعوذ بالله السميع العليم ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق. فلما سمع المقرئ كلامها تعجب من لفظها وفصاحتها . ثم قال لها : يا جارية ما تقولين في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم هل هي آية من آيات القرآن؟ قالت : نعم آية من القرآن في سورة النمل ، وآية بين كل سورتين والاختلاف في ذلك بين العلماء كثير، قال : أحسنت. فأخبريني لم لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم في أول سورة براءة ؟ قالت : لما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بينه صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، وجه لهم النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، في يوم موسم بسورة براءة فقرأها عليهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . قال : فاخبريني عن فضل بسم الله الرحمن الرحيم وبركتها قالت : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما قرأت بسم الله الرحمن الرحيم على مريض إلا عوفي من مرضه . وقيل : لما خلق الله العرش اضطرب اضطراباً عظيماً فكتب عليه بسم الله الرحمن الرحيم فسكن اضطرابه . ولما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمنت من ثلاثة : الخسف والمسح والغرق وفضلها عظيم وبركتها كثيرة يطول شرحها ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يؤتى برجل يوم القيامة فيحاسب فلا يلقى له حسنة فيؤمر به إلى النار فيقول : إلهي ما أنصفتني فيقول الله عز وجل : و لم ذلك ؟ فيقول : يا رب لأنك سميت نفسك الرحمن الرحيم وتريد أن تعذبني بالنار . فقال الله جل جلاله : أنا سميت نفسي الرحمن الرحيم . أمضوا بعبدي إلى الجنة برحمتي وأنا أرحم الراحمين . قال : أحسنت .فاخبريني عن أول بدء بسم الله الرحمن الرحيم قالت : لما أنزل الله تعالى القرآن كتبوا باسمك اللهم فلما أنزل الله تعالى قل ادعوا الله وادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى. فكتبوا بسم الله الرحمن . فلما أنزل وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم كتبوا بسم الله الرحمن الرحيم. فلما سمع المقرئ كلامها أطرق رأسه وقال في نفسه : إن هذا لعجب عجيب ، وكيف تكلمت هذه الجارية في بدء بسم الله الرحمن الرحيم ، والله لا بد من أن أتحيل عليها لعلي أغلبها ، ثم قال لها : يا جارية هل أنزل الله القرآن جملة واحدة أو أنزله متفرقاً ؟ قالت : نزل به جبريل الأمين عليه السلام من عند رب العالمين على نبيه محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين . بالأمر والنهي والوعد والوعيد والأخبار والأمثال في عشرين سنة ، آيات متفرقات على حسب الوقائع . قال : أحسنت فأخبريني عن أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : في قول ابن عباس سورة العلق ، وفي قول ابن جابر بن عبد الله سورة المدثر . ثم أنزلت السور والآيات بعد ذلك قال : فأخبريني عن آخر آية نزلت عليه قالت : هي آية الربا وقيل : إذا جاء نصر الله والفتح . قال لها : أحسنت فأخبريني عن عدد الصحابة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : هم أربعة : أبي بن كعب وزير بن ثابت وأبو عبيدة عامر بن الجراح وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين ، قال : أحسنت . فأخبريني عن القراء الذين تؤخذ عنهم القراءات ؟ قالت : هم أربعة : عبد الله بن مسعود و أبي كعب و معاذ بن جبل و سالم بن عبد الله ، قا ل : فما تقولين في قوله تعالى : (وما ذبح على النصب) ، قالت : هي الأصنام التي تنصب وتعبد من دون الله والعياذ بالله تعالى . قال : فما تقولين في قوله تعالى: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) ، قالت : تعلم حقيقتي و ما عندي و لا أعلم ما عندك الدليل على هذا قوله تعالى : (إنك أنت علام الغيوب) ، وقيل تعلم عيني ولا أعلم عينك ، قال: فما تقولين في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) ، قالت : حدثني الشيخ رحمه الله تعالى عن الضحاك أنه قال : هم قوم من المسلمين قالوا : أنقطع مذاكيرنا ونلبس المسوح فنزلت هذه الآية و قال قتادة : أنها نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم : علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان و مصعب وغيرهما و قالوا : نخصي أنفسنا ونلبس الشعر ونترهب فنزلت هذه الآية . قال : فما تقولين في قوله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلاً) ، قالت : الخليل المحتاج الفقير . وفي قول آخر هو المحب المنقطع إلى الله تعالى الذي ليس لانقطاعه اختلال ، فلما رآها المقرئ تمر في كلامها مر السحاب . ولم تتوقف في الجواب قام على قدميه و قال : أشهد الله يا أمير المؤمنين أن هذه الجارية أعلم مني في القراءات وغيرها. فعند ذلك قالت الجارية : أنا أسألك مسألة واحدة فإن أتيت بجوابها فذاك ، وإلا نزعت ثيابك ، قال أمير المؤمنين : سليه . فقالت : ما تقول في آية فيها ثلاثة وعشرون كافاً و آية فيها ستة عشر ميماً وآية فيها مائة واثنان و أربعون عيناً و حزب فيه جلالة ؟ فعجز المقرئ عن الجواب فقالت : انزع ثيابك . فنزع ثيابه ثم قالت : يا أمير المؤمنين إن الآية التي فيها ستة عشر ميماً في سورة هود . وهي قوله تعالى :( قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ ) ، وإن الآية التي فيها ثلاثة وعشرون كافاً في سورة البقرة وهي آية الدين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ،وإن الآية التي فيها مائة و اثنان وأربعون عيناً في سورة الأعراف وهي قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنتا ) فلكل رجل عينان 2*70يساوي 142 و نضيف لهم عينا موسى فيصبح عدد الاعين 142 عين) ، وإن الحزب الذي فيه جلاله هو سورة اقتربت الساعة و انشق القمر والرحمن والواقعة ، فعند ذلك نزع المقرئ ثيابه التي عليه و انصرف خجلاً.
الى اللقاء في الجزء الرابع من محاورة الجارية تودد للطبيب لا تدعوا الفرصة تفوتكم
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم