1- معلم الصبيان يعشق من لا يراها (أم عمرو) .
كان يا مكان في سالف العصر و الزمان ، مما يروى على لسان بعض الرجال الفضلاء الكرام حيث أنه قال : مررت بفقيه في كتاب و هو يقريء الصبيان القران و نافع العلوم و المعارف ، فوجدته في هيئة حسنة ، و قماش مليح ، و وجه صبيح . فأقبلت عليه بادب ، فقام لي ، و أجلسني معه فمارسته و ناقشته في القراءات و النحو و الشعر و اللغة . فإذا هو كامل عالم في كل ما يراد منه ، فقلت له : يا شيخ قوى الله عزمك ، و حفظك و رعاك ، فإنك عالم و عارف بكل مايراد منك ، ثم عاشرته مدة من الزمن ، و كل يوم يظهر فيه حسن و علم و أدب ، فقلت في نفسي : إن هذا شيئ عجيب من فقيه يعلم الصبيان مع أن العقلاء اتفقوا على نقص عقل معلم الصبيان ، ثم فارقته و كنت كل أيام قلائل أتفقده و أزوره ، فأتيت إليه في بعض الأيام على عادتي من زيارت له ، فوجدت الكتاب مغلقاً فسألت جيرانه فقالوا : أنه مات عنده ميت و هو في العزاء . فقلت في نفسي : وجب علينا أن نعزيه ، فجئت إلى باب داره و طرقت الباب ، فخرجت لي جارية و قالت : ما تريد أيها الفاضل ؟ فقلت : أريد مولاك فقالت : إن مولاي قاعداً في العزاء وحده . فقلت لها : قولي له أن صديقك فلاناً يطلب أن يعزيك ، فراحت و أخبرته فقال لها : دعيه يدخل ، فأذنت لي في الدخول فدخلت إليه فرأيته جالساً وحده و معصباً رأسه ، فقلت له : يا شيخ عظم الله أجرك ، وهذا سبيل لا بد لكل واحد منا أن يسلكه . و غفر الله لميتكم ، فعليك بالصبر و الاحتساب ، ثم قلت له : يا شيخ من الذي مات لك ؟ فقال الشيخ لي : أعز الناس علي و أحبهم إلي فقلت : لعله والدك ؟ ! فقال الشيخ : لا قلت له : لعلها والدتك ؟ ! قال الشيخ : لا. قلت : لعله أخوك ؟ ! قال الشيخ : لا. قلت : لعله أحد من اقاربك ؟ ! قال الشيخ : لا. قلت فما نسبته و قرابته إليك ؟ قال الشيخ : حبيبتي . فقلت في نفسي : اجل ان هذا أول المباحث في قلة عقله ، ثم قلت له : يا شيخ قد يوجد غيرها مما هو أحسن منها من النساء . فقال الشيخ : أنا ما رأيتها حتى أعرف إن كان غيرها أحسن منها أو لا ، فقلت في نفسي : و هذا مبحث ثان في قلة عقله . فقلت له : و كيف عشقت من لا تراها بأم عينك ؟ فقال الشيخ : يا رجل اليك قصتي ، اعلم أني كنت جالساً في بعض الايام في الطاقة ، و إذا برجل عابر طريق يغني هذا البيت : بيت شعر لام عمرو .
يا أم عمرو جزاك الله مكرمة * * *
ردي علي فؤادي أينما كانـا
ردي علي فؤادي أينما كانـا
فلما سمعت الرجل المار في الطريق يغني ببيت الشعر الذي سمعته ، قلت في نفسي : أولاً من أم عمرو هذه لا بد انه ما في الدنيا مثلها ، و الا ما كان الشعراء يتغزلون فيها ، فتعلقت بحبها ، فلما كان بعد يومين من الموضوع و انشاد الرجل للشعر ، عبر ذلك الرجل وهو ينشد هذا البيت:
إذا ذهب الحمار بأم عمـرو * * *
فلا رجعت ولا رجع الحمار
فلا رجعت ولا رجع الحمار
فعلمت أنها ماتت ، و لن ترجع الى الابد ، فحزنت عليها حزنا كبيرا ، و لقد مضى لي ثلاثة أيام و أنا في العزاء ، حينها ودعته و تركته و انصرفت بعدما تحققت قلة عقله و غبائه . و تأكدت من مقولة العلماء ب قلة عقل معلم الصبيان .
النهــــــايــــــــة
2- معلم الصبيان يتأمل في خلق جسمه.
و مما يروى عن الحكايات عن معلم الصبيان انه قليل عقل انه ، كان يا مكان في سالف لعصر و الاوان ، يحكى أنه كان رجل فقيه في كتاب : فدخل عليه رجل ظريف جميل الهيئة و الشكل ، فجلس عنده و مارسه و ناقشه و سأله في مجالات عديدة فوجده فقيهاً و نحوياً و لغوياً و شاعراً و أديباً و فهيماً و لطيفاً ، فتعجب من ذلك و قال في نفسه : إن الذين يعلمون الصبيان في الكتاتيب ليس لهم عقل كامل ، فلما هم و اراد الإنصراف من عند الفقيه ، قال له : أنت ضيفي في هذه الليلة ، فأجبته إلى الضيافة و وافقت ، وتوجهت بصحبته إلى منزله ، فأكرمني و أتى لي بالطعام فأكلنا وشربنا ، ثم جلسنا بعد ذلك نتحدث إلى ثلث الليل ، و بعد ذلك جهز لي الفراش و طلع إلى حريمه ، فاضطجع الضيف و أراد النوم ، و إذا بصراخ كثير ثار في حريمه فسأل الرجل : ما الخبر؟ فقالوا له : أن الشيخ حصل له أمر عظيم ، و هو في آخر رمق فقال : أطلعوني له فأطلعوه له ، و دخل عليه فرآه مغشياً عليه و دمه سائل ، فرش الماء على وجهه . فلما أفاق قال له الضيف : ما هذا الحال ؟؟ ! !أنت طلعت من عندي في غاية ما يكون من الحظ و السرور والصحة و العافية . أنت صحيح البدن فما أصابك ؟ فقال له : يا أخي بعدما طلعت من عندك جلست أتذكر في مصنوعات الله تعالى و مخلوقاته ، و قلت في نفسي : كل شيء خلقه الله للإنسان فيه نفع لأن الله سبحانه و تعالى خلق اليدين للبطش والرجلين للمشي والعينين للنظر والأذنين للسماع والذكر للجماع و هلم جرا ، إلا هاتين البيضتين ليس لهما نفع فأخذت موس كان عندي و قطعتهما فحصل لي هذا الأمر فنزل من عنده و قال : صدق من قال أن كل فقيه يعلم الصبيان ليس له عقل كامل و لو كان يعرف جميع العلوم. كيف ان معلم الصبيان يشق كيس بيضه.
3- المرأ الجاهلة و معلم الصبيان المحتال
كان يا مكان في سالف العصر و الزمان ، يحكى أن بعض الرجال كان لا يعرف الخط ولا القراءة ، و إنما يحتال على الناس بحيل لكي يأكل منها الخبز و يجمع قوت يومه بالحيلة و الخديعة ، فخطر في باله يوماً من الأيام أن يفتح له كتابا و يقريء فيه الصبيان فجمع ألواحاً و أوراقاً مكتوبة وعلقها في مكان وكبر عمامته وجلس على باب الكتاب ، فصار الناس يمرون عليه و ينظرون إلى عمامته و إلى الألواح فيظنون أنه فقيه جيد فيأتون إليه بأولادهم ، فصار يقول لهذا : اكتب و علم زميلك الكتابة و يقول للاخر : اقرأ و علم زميلك القراءة ، فصار الأولاد يعلم بعضهم بعضاً ، فبينما هو ذات يوم جالس على باب الكتاب على عادته ، و إذا بامرأة مقبلة من بعيد و بيدها مكتوب فقال في باله : لا بد أن هذه المرأة تقصدني لأقرأ لها المكتوب الذي معها ، فكيف يكون حالي معها وانا لا أعرف قراءة الخط ، و هم بالنزول ليهرب منها فلحقته قبل أن ينزل و قالت له : إلى أين ؟ فقال لها : أريد أن أصلي الظهر و أعود فقالت له : الظهر بعيد فاقرأ لي هذا الكتاب ، فأخذه و جعل أعلاه أسفله و صار ينظر إليه و يهز عمامته تارة و يرقص حواجبه أخرى ، و يظهر غيظاً و كان زوج المرأة غائباً و الكتاب مرسل إليها من عنده ، فلما رأت الفقيه على تلك الحالة قالت في نفسها : لا شك أن زوجي مات وهذا الفقيه يستحي أن يقول لي أنه مات فقالت له : هل أشق ثيابي؟ فقال لها : شقي فقالت له :هل ألطم على وجهي فقال لها : الطمي فأخذت الكتاب من يده وعادت إلى منزلها و صارت تبكي هي و أولادها ، فسمع بعض جيرانها البكاء فسألوا عن حالها فقيل لهم : أنه جاءها كتاب بموت زوجها فقال رجل : إن هذا الكلام كذب لأن زوجها أرسل لي مكتوباً بالأمس يخبرني فيه أن طيب بخير وعافية و أنه بعد عشرة أيام يكون عندها ، فقام من ساعته و جاء إلى المرأة و قال لها : أين الكتاب الذي جاء ؟ فجاءت به إليه وأخذه منها و قرأه و إذا فيه : أما بعد فإني طيب بخير وعافية و بعد عشرة أيام أكون عندكم و قد أرسلت إليكم ملحفة و مكمرة ، فأخذت الكتاب وعادت فيه إلى الفقيه وقالت له : ما حملك على الذي فعلته معي وأخبرته بما قاله جارها من سلامة زوجها و أنه أرسل إليها ملحفة ومكمرة فقال لها : لقد صدقت ولكن يا حرمة اعذريني فإني كنت في تلك الساعة مغتاظاً. مشغول الخاطر و رأيت المكمرة ملفوفة في الملحفة فظننت أنه مات و كفنوه ، و كانت المرأة لا تعرف الحيلة فقالت له : أنت معذور و أخذت الكتاب منه و انصرفت .
لكن رأيي هنا ليس شرطا ان نحكم على مؤدب و معلم الصبيان بقلة العقل ، فليس الناس كلهم سواء في العقل . و لطالما معلموا الصبيان نشأ من بين ايديهم الخلفاء و العلماء و العظماء و لكل رأيه و وجهة نظره .
لا تنسوا ان تكتبوا رايكم بالموضوع و مشاركة القصة و متابعة المدونة و لكم جزيل الشكر .
دمتم بعز
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم