السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
قصة طير الماء و جثة ابن آدم و السلحف
كان يا مكان في سالف العصر و الزمان أن طيراً طار وعلا إلى الجو ثم انقض على صخرة في وسط الماء وكان الماء جارياً ، فبينما الطائر واقف على الصخرة وإذا برمة إنسان جرها الماء حتى أسندها إلى الصخرة ، ووقفت تلك الجيفة في جانب الصخرة وارتفعت لانتفاخها فدنا الطير وتاملها فرآها رمة ابن آدم . وظهر له فيها ضرب السيف وطعن الرماح فقال في نفسه : إن هذا المقتول كان شريراً فاجتمع عليه جماعة وقتلوه واستراحوا منه ومن شره ، ولم يزل طير الماء يكثر التعجب من تلك الرمة حتى رأى نسوراً وعقباناً أحاطوا بتلك الجيفة من جميع جوانبها ، فلما رأى طير الماء ذلك جزع جزعاً شديداً وقال : لا صبر لي على الإقامة في هذا المكان ، ثم طار منه يفتش على موضع يأويه إلى حين نفاذ تلك الجيفة وزوال سباع الطير عنها ، ولم يزل طائراً حتى وجد نهراً في وسطه شجرة ، فنزل عليها كئيباً حزيناً على بعده عن وطنه ، و قال في نفسه : لم تزل الأحزان تتبعني و كنت قد استرحت لما رأيت تلك الجيفة وفرحت بها فرحاً شديداً وقلت : هذا رزق ساقه الله إلي ، فصار فرحي غماً وسروري حزناً وهماً ، وافترستها سباع الطير مني وحال بينها وبيني فكيف أرجو أن أكون سالماً في هذه الدنيا وأطمئن إليها ، وقد قيل في المثل: الدنيا دار من لا دار له يغتر بها من لا عقل له ويطمئن بماله وولده وقومه وعشيرته ولم يزل المغتر بها راكناً إليها يختال فوق الأرض حتى يصير تحتها ويجثوا عليه التراب لتراب أعز الناس عليه وأقربهم إليه وما للفتى خير من الصبر على مكارهها وقد فارقت مكاني ووطني وكنت كارهاً لفرقة أخواني وأصحابي.
فبينما هو في فكرته ، وإذا بذكر من السلاحف أقبل منحدر في الماء ودنا من طير الماء وسلم عليه وقال : يا سيدي ما الذي أبعدك عن موضعك ؟ قال : حلول الأعداء فيه ولا صبر للعاقل على مجاورة عدوه ، وما أحسن قول بعض الشعراء:
إذا حل الثقيل بأرض قـوم * * *
فما للساكنين سوى الرحيل
فما للساكنين سوى الرحيل
فقال له السلحف : إذا كان الأمر كما وصفته والحال مثل ما ذكرته فأنا لا أزال بين يديك ، ولا أفارقك لأقضي حاجتك ، وأوفي بخدمتك ، فإنه يقال لا وحشة أشد من وحشة الغريب المنقطع عن أهله ووطنه ، وقد قيل إن فرقة الصالحين لا يعد لها شيء من المصائب ، ومما يسمى العاقل نفسه الإستئناس في الغربة والصبر على الزرية والكربة وأرجو أن تجمد صحبتي لك وأكون لك خادماً ومعيناً. فلما سمع طير الماء مقالة السلحف قال له : لقد صدقت في قولك ولعمري ، إني وجدت للفراق ألماً وهماً مدة بعدي عن مكاني ، وفراقي لأخواني وخلاني، لأن في الفراق عبرة لمن اعتبر ، وفكرة لمن تفكر ، وإذا لم يجد الفتى من يسليه من الأصحاب ينقطع عنه الخير ويثبت له الشر سرمداً، وليس للعاقل إلا التسلي بالأخوان عن الهموم في جميع الأحوال وملازمة الصبر والتجلد فإنهما خصلتان محمودتان يعينان نوائب الدهر ويدفعان الفزع والجزع من كل أمر. فقال له السلحف: إياك والجزع فإنه يفسد عليك عيشك ويذهب مروءتك وزالا يتحدثان مع بعضهما إلى أنقال طير الماء للسلحف: أنا لم أزل أخشى نوائب الزمان وطوارق الحدثان، فلما سمع السلحف مقالة طير الماء أقبل عليه وقبله بين عينيه وقال له: لم تزل جماعة الطير تعرف مشورتك الخير فكيف تحمل الهم والضير. ولم يسكن روع طير الماء حتى اطمأن، ثم إن طير الماء طار إلى مكان الجيفة فلما وصل إليه لم ير من سباع الطير شيئاً ولا من تلك الجيفة إلا عظماً فرجع يخبر السلحف بزوال العدو من مكانه ، فلما وصل إلى السلحف أخبره بما رأى وقال: إني أحب الرجوع إلى مكاني وأتملى بخلاني لأنه لا صبر للعاقل عن وطنه فذهب معه إلى ذلك المكان فلم يجد شيئاً مما يخاف منه فصار طير الماء قرير العين وأنشد هذين البيتين:
ولرب نازلة يضيق لها الفتى * * *
ذرعاً وعند الله منها المخرج
ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * * *
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
ثم سكنا الجزيرة، فبينما طير الماء في أمن وسرور وفرح وحبور إذ ساق إليه بازاً جائعاً فضربه بمخلبه ضربة فقتله ولم يغن عنه الحذر عند فراغ الأجل ، وسبب قتله غفلته عن التسبيح ، قيل انه كان يقول في تسبيحه: سبحان ربنا فيما قدر ودبر، سبحان ربنا فيما أغنى وأفقر،
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم