random

آخر المواضيع

random
recent
جاري التحميل ...
recent

حكاية الثعلب مع الذئب وابن آوى

حكاية الثعلب مع الذئب وابن آوى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...

حكاية الثعلب مع الذئب وابن آوى 

كان يا مكان في سالف العصر و الزمان ، ثعلباً وذئباً ألفا وكراً فكانا يأويان إليه مع بعضهما فلبثا على ذلك مدة من الزمان وكان الذئب للثعلب قاهر، فاتفق أن الثعلب أشار على الذئب بالرفق وترك الفساد وقال له : إن دمت على عتوك ربما سلط الله عليك ابن آدم فإنه ذو حيل ومكر وخداع يصيد الطير من الجو والحوت من البحر ويقطع الجبال وينقلها وكل ذلك من حيله ، فعليك بالإنصاف وترك الشر والإعتساف فإنه أهنأ لطعامك ، فلم يقبل الذئب قوله وأغلظ له الرد وقال له : لا علاقة لك بالكلام في عظيم الأمور وجسيمها ثم لطم الثعلب لطمة فخر منها مغشياً عليه. فلما أفاق تبسم في وجه الذئب واعتذر إليه من الكلام الجميل وأنشد هذين البيتين:  
 إذا كنت قد أذنبت ذنباً سالـفـاً * * *         
في حبكم وأتيت شيئاً منكـرا.

 أنا تائب عما جنيت وعفوكـم   * * *         
يسع المسيء إذا أتى مستغفرا.
فقبل الذئب اعتذاره و كف عنه أشراره وقال له : لا تتكلم فيما لا يعنيك لانك سوف تسمع ما لا يرضيك. فقال له الثعلب : سمعاً وطاعة.  فأنا بمعزل عما كان . فقد قال الحكيم : لا تخبر عما لا تسأل عنه ، أو لا تجب إلى ما لا تدعى إليه ، وذر الذي لا يعنيك إلى ما لا يعنيك ،  ولا تبذل النصيحة للأشرار فإنهم يجزونك عليها شراً ، فلما سمع الذئب كلام الثعلب تبسم في وجهه ، ولكنه أضمر له مكراً و قال : لا بد أن أسعى في هلاك هذا الثعلب. و أما الثعلب فإنه صبر على أذى الذئب وقال في نفسه : إن البطر والافتراء يجلبان الهلاك ويوقعان في الإرتباك ، فقد قيل : من بطر خسر، ومن جهل ندم، ومن خاف سلم، والإنصاف من شيم الأشراف والآداب أشرف الاكتساب ومن الرأي مداراة هذا الباغي ولابد له من مصرع ، ثم أن الثعلب قال للذئب : إن الرب يعفو ويتوب على عبده إن اقترف الذنوب ، وانا عبد ضعيف وقد ارتكبت في نصحك التعسيف ، ولو علمت بما حصل لي من لطمتك لعلمت أن الفيل لا يقوم به ولايقدر عليه ، ولكني لا أشتكي من ألم هذه اللطمة بسبب ما حصل لي بها من السرور ، و قد قال الحكيم : ضرب المؤدب أوله صعب شديد وآخره أحلى من العسل المصفى. فقال الذئب : غفرت ذنبك ، وأقلت عثرتك ، فكن من قوتي على حذر ، واعترف لي بالعبودية فقد علمت قهري لمن عاداني ، فسجد له الثعلب وقال له : أطال الله عمرك ،ولا زلت قاهراً لمن عاداك، ولم يزل الثعلب خائفاً من الذئب مصانعاً له ، ثم إن الثعلب ذهب إلى كرم يوماً ، فرأى في حائطه ثلمة فأنكرها وقال في نفسه : إن هذه الثلمة لا بد لها من سبب ، وقد قيل : من رأى خرقاً في الأرض فلم يجتنبه ويتوق عن الإقدام عليه كان بنفسه مغروراً وللهلاك متعرضاً. وقد اشتهر أن بعض الناس يعمل صورة الثعلب في الكرم ويقدم إليه العنب في الأطباق لأجل أن يرى ثعلباً آخر فيقدم إليه فيقع في الهلاك ، و إني أرى هذه الثلمة مكيدة ، وقد قيل : إن الحذر نصف الشطارة ومن الحذر أن أبحث على هذه الثلمة وانظر لعلي أجد عندها أمر يؤدي إلى التلف ، ولا يحملني الطمع على أن ألقي نفسي في الهلكة ، ثم دنا منها وطاف بها وهو محاذر فرآها فإذا هي حفرة عظيمة قد حفرها صاحب الكرم ليصيد فيها الوحش الذي يفسد الكرم ، ورأى عليها غطاء رقيقاً فتأخر عنها وقال : الحمد لله حيث حذرتها وأرجو أن يقع فيها عدوي الذئب ، الذي نغص عيشي ، فأستقل بالكرم وحدي وأعيش فيه آمناً . ثم هز رأسه وضحك ضحكاً عالياً واطرب بالنغمات وأنشد هذه الأبيات:  
ليتني أبصرت هذا الوقت * * *        
في ذي الـبـئر ذئبـا.
وسقاني المر غصباً ليتني  * * *           
من بـعـد ذا أبـقـى.
طالما قد ساء قـلـبـي  * * *               
ويقضي الذئب نحـبـا.
ثم يخلو الكرم منه  * * *                
وأرى لي فيه نهبا.
فلما فرغ من شعره انطلق مسرعاً حتى وصل إلى الذئب وقال : إن الله سهل لك الأمور إلى الكرم بلا تعب ، وهذا من سعادتك فهنيئاً لك بما فتح الله عليك ، وسهل لك من تلك الغنيمة والرزق الواسع بلا مشقة ، فقال الذئب للثعلب : وما الدليل على ما وصفت ؟ قال: إني انتهيت إلى الكرم فوجدت صاحبه قد مات ، ودخلت البستان فرأيت الأثمار زاهية على الأشجار  ، فلم يشك الذئب في قول الثعلب وأدركه الشر ، فقام حتى انتهى إلى الندامة وقد غره الطمع ، ووقف الثعلب متهافتاً كالميت وتمثل بهذا البيت:  
أتطمع من ليلى بوصلي وإنما* * *             
تضر بأعناق الرجال المطامع
فلما انتهى الذئب إلى الثلمة قال له الثعلب : ادخل إلى الكرم ، فقد كفيت مؤونة هدم حائط البستان وعلى الله تمام الإحسان ، فأقبل الذئب ماشياً يريد الدخول إلى الكرم ، فلما توسط غطاء الثلمة وقع فيها فاضطرب الثعلب اضطراباً شديداً من السرور والفرح وزوال الهم والترح ، ثم إنه تطلع في الحفرة فرأى الذئب يبكي ندماً وحزناً على نفسه ، فبكى الثعلب معه فرفع الذئب رأسه إلى الثعلب وقال له : أمن رحمتك لي بكيت يا أبا الحصين ؟ قال : لا والذي قذفك في هذه الحفرة إنما بكيت لطول عمرك الماضي ، وأسفاً على كونك لم تقع في هذه الثلمة قبل اليوم ، ولو وقعت قبل اجتماعي بك لكنت أرحت واسترحت ، ولكن أبقيت إلى أجلك المحتوم ووقتك المعلوم . فقال له: أيها الثعلب رح أيها المسيء في فعله لوالدتي وأخبرها بما حصل لي لعلها تحتال على خلاصي  ،  فقال له الثعلب : لقد أوقعك في الهلاك شدة طمعك ، وكثرة حرصك حيث سقطت في حفرة لست منها بسالم ، ألم تعلم أيها الذئب الجاهل ، أن صاحب المثل يقول: من لم يفكر في العواقب لم يأمن المعاطب؟ فقال الذئب للثعلب: يا أبن الحصين إنما كنت تظهر محبتي وترغب في مودتي وتخاف من شدة قوتي ، فلا تحقد علي بما فعلته معك فمن قدر وعفا كان أجره على الله وقد قال الشاعر:
 ازرع جميلاً ولو في غير موضعه * * *        
 ما خاب قط جميل أينـمـا زرع
 إن الجميل وإن طال الزمـان بـه  * * *          
 فليس يحـصـده إلا الـذي زرع
فقال له الثعلب: يا أجهل السباع وأحمق الوحوش في البقاع ، هل نسيت تجبرك وعتوك وتكبرك وأنت لم ترع حق المعاشرة ولم تنتصح بقول الشاعر:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً  * * *         
 إن الظلوم على حد من النقم
تنام عيناك والمظلوم منتبـه * * *           
 يدعو عليك وعين الله لم تنم
فقال الذئب: يا أبا الحصين لا تؤاخذني بسابق الذنوب فالعفو من الكرام مطلوب وصنع المعروف من حسن الذخائر وما أحسن قول الشاعر:
بادر بالخير إذا كنت مقتـدراً * * *          
فليس في كل حين أنت مقتدر
و ما زال الذئب يتذلل للثعلب ويقول له: لعلك تقدر على شيء تخلصني به من الهلاك فقال له الثعلب: أيها الفظ الغليظ إني أشبهك في حسن علانيتك وقبح نيتك بالباز مع الحجل، قال الذئب: وما حديث الباز والحجل ؟ 

حكاية الباز و الحجل

قال الثعلب: دخلت يوماً كرماً لآكل عنبه فبينما أنا فيه إذ رأيت بازاً انقض على حجل فلما اقتنصه انفلت منه الحجل ودخل وكره واختفى فيه فتبعه الباز وناداه: أيها الجاهل إني رأيتك في البرية جائعاً فرحمتك، والتقطت لك حباً وأمسكتك لتأكل فهربت مني ولم أعرف لهروبك وجهاً إلا الحرمان، فاظهر وخذ ما أتيتك من الحب فكله هنيئاً مريئاً، فلما سمع الحجل قول الباز صدقه وخرج إليه فانشب مخالبه فيه ومكنها منه فقال له الحجل: أهذا الذي ذكرت انك أتيتني به من البرية وقلت لي هنيئاً مريئاً فكذبت على جعل ما تأكله من لحمي في جوفك سماً قاتلاً، فلما أكله وقع ريشه وسقطت قوته ومات لوقته ثم قال له الثعلب: اعلم ايها الذئب أن من حفر حفرة لأخيه قليباً وقع فيها قريباً وأنت غدرت بي أولاً، فقال الذئب للثعلب: دعني من هذا المقال وضرب الأمثال ولا تذكر لي ما سلف مني من قبيح الفعال يكفيني ما أنا فيه من سوء الحال حيث وقعت في ورطة يرثي لي منها العدو فضلاً عن الصديق وانظر لي حيلة أتخلص بها وكن فيها غياثي وإن كان عليك ذلك مشقة فقد يتحمل الصديق لصديقه أشد النصب ويقاسي فيما فيه نجاته العطب وقد قيل: إن الصديق الشفيق خير من الأخ الشقيق وإن تسببت في نجاتي لأجمعن لك من الآلة ما يكون لك عدة ن ثم ثم لأعلمنك من الحيل الغريبة ما تفتح به الكروم الخصيبة وتجني الأشجار المثمرة فطب نفساً وقر عيناً، فقال له الثعلب وهو يضحك: ما أحسن ما قالته العلماء في كثير من الجهل مثلك قال الذئب: وما قالت العلماء؟ قال الثعلب: ذكر العلماء أن غليظ الجثة غليظ الطبع يكون بعيداً من العقل قريباً من الجهل لأن قولك أيها الماكر الأحمق قد يحتمل الصديق المشقة في تخليص صديقه صحيح كما ذكرت ولكن عرفتني بجهلك وقلة عقلك كيف أصادقك مع خيانتك أتحسبني لك صديقاً وأنا لك عدو شامت وهذا الكلام أشد من رشق السهام إن كنت تعقل وأما قولك أنك تعطيني من الآلات ما يكون عدة لي وتعلمني من الحيل وما أصل به إلى الكروم المخصبة وأجتني به الأشجار المثمرة فمالك أيها المخادع الغادر لا تعرف لك حيلة تتخلص بها من الهلاك فما أبعدك من المنفعة لنفسك وما ابعدني من القبول لنصيحتك فإن كان عندك حيل فتحيل لنفسك في الخلاص من هذا الأمر الذي أسأل الله أن يبعد خلاصك منه فانظر أيها الجاهل إن كان عندك حيلة فخلص نفسك بها من القتل قبل أن تبذل التعليم لغيرك ولكنك مثل إنسان حصل له مرض فاتاه رجل مريض بمثل مرضه ليداويه فقال له: هل لك أن أداويك من مرضك؟ فقال له الرجل: هلا بدأت بنفسك في المداواة، فتركه وانصرف. وأنت أيها الذئب كذلك فالزم مكانك واصبر على ما اصابك، فلما سمع الذئب كلام الثعلب علم أن لا خير له عنده فبكى على نفسه وقال: كنت في غفلة من أمري فإن خلصني الله من هذا الكرب لأتوبن من تجبري على من هو أضعف مني ولألبس الصوف ولأصعدن الجهل ذاكراً الله تعالى خائفاً من عقابه واعتزل سائر الوحوش ولأطعمن المجاهدين والفقراء، ثم بكى وانتحب فرق له قلب الثعلب وكان لما سمع تضرعه والكلام الذي يدل على توبته من العتو والتكبر أخذته الشفقة عليه فوثب من فرحته، ووقف على شفير الحفيرة ثم جلس على رجليه وأدلى ذنبه في الحفيرة فعند ذلك قام ومد يده إلى ذبن الثعلب وجذبه إليه فصار في الحفيرة معه، ثم قال له الذئب: أيها الثعلب القليل الرحمة كيف تشمت بي وقد كنت صاحبي وتحت قهري ووقعت معي في الحفيرة وتعجلت لك العقوبة، وقد قال الشاعر:
إذا ما الدهر جار على الناس * * *        
 كلاكله أنـاخ بـآخـرينـا
 فقل للشامتين بنـا أفـيقـوا * * *             
سيلقى الشامتون كما لقينـا
ثم قال الذئب للثعلب: فلا بد أن أعجل قتلك قبل أن ترى قتلي، فقال الثعلب في نفسه: إني وقعت مع هذا الجبار وهذا الحال يحتاج إلى المكر والخداع، وقد قيل: إن المرأة تصوغ حليها ليوم الزينة وفي المثل ما ادخرتك يا دمعتي إلا لشدتي وإن لم أتحيل في أمر هذا الوحش الظالم هلكت لا محالة، وما احسن قول الشاعر:
عش بالخداع فأنت في * * *            
 زمن بنوه كأسد بـيشة
وأدر قناة المكر حتـى * * *             
تستدير رحى المعيشة
واجن الثمار فإن تفتـك  * * *          
 فرض نفسك بالحشيشة
ثم إن الثعلب قال للذئب: لا تعجل علي بالقتل فتندم أيها الوحش الصنديد صاحب القوة والبأس الشديد وإن تمهلت وأمعنت النظر فيما أحكيه لك، عرفت قصدي الذي قصدته وإن عجلت بقتلي فلا فائدة لك فيه، ونموت جميعنا هاهنا، فقال له الذئب: أيها المخادع الماكر وما الذي ترجوه من سلامتي وسلامتك حتى تسألني التمهل عليك فاخبرني بقصدك الذي قصدته؟ فقال له الثعلب: أما قصدي الذي قصدته فمما ينبغي أن تحسن عليه مجازاتي لأني سمعت ما وعدت من نفسك واعترافك بما سلف منك وتلهفك على ما فاتك من التوبة وفعل الخير وسمعت ما نذرته على نفسك من كف الأذى عن الأصحاب وغيرهم وتركك أكل العنب وسائر الفواكه، ولزمك الخشوع وتقليم أظافرك وتكسير أنيابك وان تلبس الصوف وتقرب القربان لله تعالى إن نجاك مما أنت فيه فأخذتني الشفقة عليك مع انني كنت على حق هلاكك حرصاً. فلما سمعت منك توبتك وما نذرت على نفسك إن نجاك الله لزمني خلاصك مما أنت فيه فأدليت إليك ذنبي لكيما تتعلق به وتنجو فلم تترك الحالة التي أنت عليها من العنف والشدة ولم تلتمس النجاة والسلامة لنفسك بالرفق بل جذبتني جذبة ظننت منها أن روحي قد خرجت فصرت أنا وأنت في منزلة الهلاك والموت وما ينجيني أنا وأنت إلا شيء إن قبلته مني خلصت أنا وانت وبعد ذلك يجب عليك أن تفي بما نذرته وأكون رفيقك، فقال له الذئب: وما الذي أقبله منك، قال له الثعلب: تنهض قائماً وأعلو أنا فوق رأسك حتى أكون قريباً من ظاهر الأرض فإني حين أصير فوقها أخرج وآتيك بما تتعلق به وتخلص أنت بعد ذلك فقال له الذئب: لست بقولك واثقاً لأن الحكماء قالوا: من استعمل الثقة في موضع الحقد كان مخطئاً. وقيل من وثق بغير ثقة كان مغوراً، ومن جرب المجرب حلت به الندامة، ومن لم يفق بن الحالات فيعطي كل حالة حظها بل حمل الأشياء كلها على حالة واحدة قل حظه وكثرت مصائبه، وما أحسن قول الشاعر:
لا يكـن ظـنـك لا سـيئاً إن * * *            
 سوء الظن من أقوى الفطـن
ما رمى الإنسان في مهلـكة * * *            
مثل فعل الخير والظن الحسن
فقال الثعلب: إن سوء الظن ليس محموداً في كل حال وحسن الظن من شيم الكرام وعاقبته النجاة من الأهوال وينبغي لك أيها الذئب أن تتحيل على النجاة مما أنت فيه ونسلم جميعاً خير من موتنا فارجع عن سوء الظن والحقد لأنك إن أحسنت الظن بي لا أخلو من أحد أمرين: إما أن آتيك بما تتعلق به وتنجو مما أنت فيه وإما أن أغدر بك فأخلص وأودعك وهذا مما لا يمكن فإني لا آمن أن أبتلي بشيء مما ابتليت به فيكون ذلك عقوبة الغدر وقد قيل في الأمثال: الوفاء مليح والغدر قبيح، فينبغي أن تثق بي فإني لم أكن جاهلاً بحوادث الدهر فلا تؤخر حيلة خلاصنا فالأمر أضيق من أن نطيل فيه الكلام. فقال الذئب: إني مع قلة ثقتي بوفائك قد عرفت ما في خاطرك من انك أردت خلاصي لما عرفت توبتي فقلت في نفسي: إن كان حقاً فيما زعم فإنه يستدرك ما أفسد وإن كان مبطلاً فجزاؤه على ربه، وهاأنا أقبل منك ما أشرت به علي فإن غدرت بي كان الغدر سبباً لهلاكك، ثم إن الذئب انتصب واقفاً وأخذ الثعلب على أكتافه حتى ساوى به ظاهر الأرض فوثب الثعلب عن أكتاف الذئب حتى صار على وجه الأرض ووقع مغشياً عليه، فقال له الذئب: يا خليلي لا تغفل عن أمري ولا تؤخر خلاصي، فضحك الثعلب وقهقه وقال للذئب: أيها المغرور لم يوقعني في يدك إلا المزح معك والسخرية بك وذلك أني لما سمعت توبتك استخفني الفرح فطربت ورقصت فتدلى ذنبي في الحفرة فجذبتني فوقعت عندك ثم انقذني الله تعالى من يدك فما لي لا أكون عوناً على هلاكك وأنت من حزب الشيطان، واعلم أنني رأيت البارحة في منامي أني أرقص في عرس فقصصت الرؤيا على معبر، فقال لي: إنك تقع في ورطة وتنجو منها فعلمت وقوعي في يدك ونجاتي هو تأويل رؤياي وأنت تعلم أيها المغرور الجاهل أني عدوك فكيف تطمع بقلة عقلك وجهلك في إنقاذي إياك مع ما سمعت من غلظ كلامك؟ وكيف أسعى في نجاتك وقد قالت العلماء: إن في موت الفاجر راحة الناس وتطهير للأرض ولولا مخافة أن أحتمل من الألم في الوفاء لك ما هو أعظم من ألم الغدر لتدبرت في خلاصك، فلما سمع الذئب كلام الثعلب عض على كتفه ندماً. ثم لين له في الكلام ولم يجد بداً من ذلك وقال له بلسان خافت: إنكم معشر الثعالب من أحلى القوم لساناً وألطفها مزاحاً وهذا منك مزاح ولكن ما كل وقت يحسن اللعب والمزاح، فقال الثعلب: أيها الجاهل إن للمزاح حد لا يجاوزه صاحبه فلا تحسب فلا تحسب أن الله يمكنك مني بعد أن أنقذني من يديك، فقال له الذئب: إنك لجدير أن ترغب في خلاصي لما بيننا من سابق المؤاخاة والصحبة وإن خلصتني لا بد أن أحسن مكافاتك، فقال الثعلب: قد قال الحكماء: لا تؤاخ الجاهل الفاجر فإنه يشينك ولا يزينك، ولا تؤاخ الكذاب فإنه إن بدا منك خير خفاه وإن بدا منك شر فشاه، وقال الحكماء: لكل شيء حيلة إلا الموت وقد يصلح كل شيء إلا فساد الجوهر وقد يدفع كل شيء إلا القدر وأما من جهة المكافأة التي زعمت أني أستحقها منك فإني أشبهك بالحية الهاربة من الحاوي إذ رآها رجل وهي مرعوبة فقال لها: ما شأنك أيتها الحية ؟ قالت: هربت من الحاوي فإنه يطلبني فإن نجيتني منه وأخفيتني عندك لأحبسن مكافأتك وأصنع معك كل جميل فأخذها اغتناماً للأجر وطمعاً في المكافأة وأدخلها في جيبه فلما فات الحاوي ومضى إلى حال سبيله وزال عنها ما كانت تخافه قال لها الرجل: أين المكافأة فقد أنقذتك مما تخافين وتحذرين؟ فقالت له الحية: أخبرني في أي عضو أنهشك؟ وقد علمت أننا لا نتجاوز هذه المكافأة ثم نهشته نهشة مات منها وأنت أيها الأحمق شبهتك بتلك الحية مع ذلك الرجل أما سمعت قول الشاعر:
لا تأمنن فتى أسكنت مهجـتـه * * *              
غيظاً وتحسب أن الغيظ قد زالا
 إن الأفاعي وإن لانت ملامسها * * *            
 تبدي انعطافاً وتخفي السم قتالا
فقال له الذئب الفصيح صاحب الوجه المليح: لا تجهل حالي وخوف الناس مني وقد علمت أني أهجم على الحصون وأقلع الكروم فافعل ما أمرتك به وقم بي قيام العبد بسيده فقال له الثعلب: أيها الأحمق الجاهل المحال بالباطل إني تعجبت من حماقتك وصلابة وجهك فيما تأمرني به من خدمتك والقيام بين يديك حتى كأنني عبدك ولكن سوف ترى ما يحل بك من شرخ رأسك بالحجارة وكسر أنيابك الغدارة. ثم وقف الثعلب على تل مشرف على الروم ولم يزل يصيح لأهل الكرم حتى بصروا به وأقبلوا عليه مسرعين فثبت لهم الثعلب حتى قربوا منه ومن الحفرة التي فيها الذئب ثم ولى الثعلب هارباً فنظر أصحاب الكرم في الحفرة فلما رأوا فيها الذئب وقعوا عليه بالحجارة الثقال ولم يزاوا يضربونه بالحجارة والخشب ويطعنونه بأسنة الرماح حتى قتلوه وانصرفوا فرجع الثعلب إلى تلك الحفرة ووقف على مقتل الذئب، قرآه ميتاً فحرك رأسه من شدة الفرحات وأنشد هذه الأبيات:
أودى الزمان بنفس الذئب فاختطفت  * * *         
 بعداً وسحقاً لها من مهجة تلفـت
 فكم سعيت أبا سرحان في تلـفـي * * *             
 فاليوم حلت بك الآفات والتهبـت
وقعت في حفرة ما حلـهـا أحـد * * *               
إلا وفيها رياح الموت قد عصفت
ثم إن الثعلب أقام بالكرم وحده مطمئناً لا يخاف ضرراً وهذا ما كان من حديث الثعلب.

النهـــــــــايـــــــــة 

لا تبخلوا بمتابعة المدونة و مشاركة القصة و اتحفونا برايكم في القصة


شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

السباق نحو العلا

2016