ملك الفرس كسرى أنو شروان و زواجه من الصبية شيرين
يحكى أن ملك الفرس كسرى أنوشروان ركب يوماً إلى الصيد فابتعد عن عسكره ، فوجد ظبي ، فاسرع خلفه ليصيده ، فبينما هو ساع خلف الظبي إذ رأى ضيعة قريبة منه ، وكان قد عطش عطشاً شديداً فتوجه إلى تلك الضيعة وقصد دار باب قوم في طريقه فطلب ماء ليشرب ، فخرجت صبية فأبصرته ثم عادت إلى البيت وعصرت له عوداً من قصب السكر ومزجت ما عصرته منه بالماء ووضعته في قدح ، ووضعت عليه شيئاً من الطيب يشبه التراب ، ثم سلمته إلى أنوشروان فنظر في القدح فرأى فيه شيئاً يشبه التراب فجعل يشرب منه قليلاً حتى انتهى إلى آخره ، ثم قال للصبية: أيتها الصبية نعم الماء ما أحلاه لولا ذلك القذي الذي فيه فإنه كدره ، فقالت الصبية: أيها الضيف أنا عمداً ألقيت فيه ذلك القذي الذي كدره ، فقال الملك: ولم فعلت ذلك ؟ فقالت: لأني رأيتك شديد العطش وخفت أن تشربه نهلة واحدة فيضرك ، فلو لم يكن فيه قذي لكنت شربته بسرعة نهلة واحدة ، وكان يضرك شربه على هذه الطريقة ، فتعجب الملك العادل أنوشروان من كلامها وذكاء عقلها ، وعلم أن ما قالته ناشئ عن ذكاء وفطنة وجودة عقل ، فقال لها: من أي عود عصرت ذلك الماء ؟ فقالت: من عود واحد ، فتعجب أنوشروان وطلب جريدة الخراج الذي يحصل من تلك القرية فرأى خراجها قليلاً فأضمر في نفسه أنه إذا عاد إلى تخته يزيد في خراج تلك القرية وقال: قرية يكون في عود واحد منها هذا الماء كيف يكون خراجها هذا القدر القليل ، ثم انصرف عن تلك القرية إلى الصيد وفي آخر النهار رجع إليها، واجتاز على ذلك الباب منفرداً وطلب الماء ليشرب فخرجت تلك الصبية بعينها فرأته فعرفته ، ثم عادت لتخرج له الماء فأبطأت عليه فاستعجلها أنوشروان وقال: لأي شيء أبطأت ؟ فقالت: لأنه لم يخرج من عود واحد قد تغيرت فقال لها: وما سبب ذلك؟ فقالت: سببه أن نية السلطان قد تغيرت فقال لها: من أين جاءك ؟ قالت: سمعنا من العقلاء أنه إذا تغيرت نية السلطان على قوم زالت بركتهم وقلت خيراتهم فضحك أنوشروان وأزال من نفسه ما كان أضمر لهم عليه، وتزوج بتلك الصبية حالاً حيث أعجبه فرط ذكائها وفطنتها وحسن كلامها. و بعض المؤرخينقال اناسم تلك الصبية هو شيرين
..........................................................................................................................................................
قصة المثل دقة بدقة و لو زدت زاد السقا
يحكى أن رجل من مدينة بخاري كان يعمل سقاء ، و كان يحمل الماء إلى دار رجل صائغ ، و لقد مضى له على تلك الحالة ثلاثون سنة ن و كان لذلك الصائغ زوجة في غاية الحسن والجمال والبهاء والكمال موصوفة بالديانة و الحفظ ، فجاء السقاء على عادته يوماً وصب الماء في الخباب ، و كانت قائمة في وسط الدار فدنا منها السقاء وأخذ بيدها وفركها وعصرها ثم مضى وتركها، فلما جاء زوجها من السوق قالت له : إني أريد أن تعرفني أي شيء صنعت هذا اليوم في السوق ما يغضب الله تعالى ؟ فقال الرجل : ما صنعت شيئاً يغضب الله تعالى ، فقالت المرأة: بلى والله إنك فعلت شيئاً يغضب الله تعالى ، و إن لم تحدثني بما صنعت وتصدقني في حديثك لا أقعد في بيتك ولا تراني ولا أراك ، فقال : أخبرك بما فعلته في يومي هذا على وجه الصدق ، لقد اتفق لي أنني جالس في الدكان على عادتي ، إذ جاءت امرأة إلى دكاني وأمرتني أن أصوغ لها إسواراً ، وانصرفت ، فصغت لها سواراً من ذهب ورفعته ، فلما حضرت أتيتها به ، فأخرجت يدها ووضعت السوار في ساعدها ، فتحيرت من بياض يدها وحسن زندها الذي يسبي الناظر ، وتذكرت قول الشاعر: شعر جميل عن وصف اليد الجميلة
وسواعد تزهو بحسن أساور * * *
كالنار تضرم فوق ماء جار
كالنار تضرم فوق ماء جار
فكأنما والتبر محتاط بـهـا * * *
ماء تمنطق معجباً بالنـار
ماء تمنطق معجباً بالنـار
فأخذت يدها وعصرتها ولويتها ، فقالت له المرأة : الله أكبر لم فعلت هذا الجرم ؟! إن ذلك السقا الذي كان يدخل بيتنا منذ ثلاثين سنة ولم نر منه خيانة قط ، قد أخذ اليوم يدي وعصرها ولواها ، فقال الزوج : نسأل الله الأمان أيتها المرأة إني تائب مما كان مني فاستغفري الله فقالت المرأة: غفر الله لي ولك ، ورزقنا حسن العاقبة فلما كان الغد جاء الرجل السقا وألقى نفسه بين يدي المرأة وتمرغ على التراب واعتذر إليها ، وقال: يا سيدتي اجعليني في حل مما أغراني به الشيطان حيث أضلني وأغواني. فقالت له المرأة: امض إلى حال سبيلك فإن ذلك الخطأ لم يكن منك وإنما كان سببه من زوجي ، حيث فعل ما فعل في الدكان فاقتص الله منه في الدنيا وقيل أن الرجل الصائغ لما أخبرته زوجته بما فعل السقا معها قال: ( دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا ) فصار هذا الكلام مثلاً سائراً بين الناس ، فينبغي للمرأة مع زوجها ظاهراً وباطناً ، سرا و علانية ، وتقنع منه بالقليل إن لم يقدر على الكثير ، وتقتدي بعائشة الصديقة وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما لتكون مع حواشي السلف.
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم