السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
حكاية أنس الوجود مع محبوبته الورد في الأكمام (الجزء الثاني)
امر الوزير الرجال بعد أن يطلعوا من المركب يكسرونها فذهبوا وفعلوا جميع ما أمرهم به ثم رجعوا وهم يبكون على ما جرى . هذا ما كان من أمرهم. وأما ما كان من أمر أنس الوجود فإنه قام من نومه وصلى الصبح ثم ركب وتوجه إلى خدمة السلطان فمر في طريقه على باب الوزير على جري العادة لعله يرى أحداً من أتباع الوزير الذين كان يراهم ونظر إلى الباب فرأى الشعر المتقدم ذكره مكتوباً عليه ففهم معناه وانه الفراق عن محبوبته فغاب عن وجوده واشتعلت النار في أحشائه ورجع إلى داره ولم يقر له قرار ولم يزل في قلق ووجد إلى أن دخل فكتم أمره وتنكر وخرج في جوف الليل هائماً على غير طريق وهو لا يدري أين يسير فسار الليل كله وثاني يوم إلى أن اشتد الحر وتلهبت الجبال واشتد عليه العطش فنظر إلى شجرة فوجد بجانبها جدول ماء يجري فقصد تلك الشجرة وجلس في ظلها على شاطئ ذلك الجدول وأراد أن يشرب فلم يجد للماء طعم في فمه وقد تغير لونه واصفر وجهه وتورمت قدماه من المشي والمشقة فبكى بكاءً شديداً وسكب العبرات وأنشد هذه الأبيات:
سكر العاشق في حب الـحـبـيب * * *
كلـمـا زاد غـرامـاً ولـهـيب
هائم فـي الـحـب صـب تــائه * * *
ما لـه مـأوى ولا زاد يطــيب
كيف يهنأ العيش لـلـصـب الـذي * * *
فارق الأحباب ذا شيء عـجـيب
ذبـت لـمـا ذكـــا وجـــدي * * *
بهم وجرى دمعي على خدي صبيب
هل أراهـم أو أرى ربـعـهــم * * *
أحداً يبرى به القـلـب الـكـئيب
فلما فرغ من شعره بكى حتى بل الثرى ثم قام من وقته وساعته وسار من ذلك المكان فبينما هو سائر في البراري والقفار إذ خرج عليه سبع رقبته مختنقة بشعره ورأسه قدر القبة وفمه أوسع من الباب وأنيابه مثل أنياب الفيل فلما رآه أنس الوجود أيقن بالموت واستقبل القبلة وتشهد واستعد للموت وكان قد قرأ في الكتب أن من خادع السبع انخدع له لأنه ينخدع بالكلام الطيب وينتحي بالمديح فشرع يقول له: يا أسد الغابة يا ليث الفضاء يا ضرغام يا أبا الفتيان يا سلطان الوحوش إنني عاشق مشتاق وقد أتلفني العشق والفراق وحين فارقت الأحباب غبت عن الصواب فاسمع كلامي وارحم لوعتي وغربتي. فلما سمع الأسد مقالته تأخر عنه وجلس على ذنبه ورفع رأسه إليه وصار يلعب ذنبه ويديه ، فلما رأى أنس الوجود هذه الحركات أنشد هذه الأبيات:
أسد البيداء هل تفـلـتـنـي * * *
قبل ما ألقى الذي تـيمـنـي
لست صيداً لا ولا بي سمـن * * *
فقد من أهواه قد أسقمـنـي
وفراق المحب أضنى مهجتي * * *
فمثالي صورة فـي كـفـن
يا أبا الحرث يا ليث الوغـى * * *
لا تشمت عاذلي في شجنـي
أنا صب مدمعي غـرقـنـي * * *
وفراق الحب قد أقلـقـنـي
واشتغالي في دجى الليل بهـا * * *
عن وجودي في الهوى غيبني
فلما فرغ من شعره قام الأسد ومشى نحوه بلطف وعيناه مغرغرتان بالدموع ، ولما وصل إليه لحسه بلسانه ومشى قدامه وأشار إليه أن اتبعني ولم يزل سائراً وهو معه ساعة من الزمان حتى طلع به فوق جبل ، ثم نزل به من فوق ذلك الجبل فرأى أثر المشي في البراري فعرف أن ذلك الأثر أثر مشي قوم الورد في الأكمام فتبع الأثر ومشى فيه، فلما رآه الأسد يتبع الأثر وعرف أنه أثر مشي محبوبته رجع الأسد إلى حال سبيله. وأما أنس الوجود فإنه لم يزل ماشياً في الأثر أياماً وليالي حتى أقبل على بحر عجاج متلاطم الأمواج ووصل الأثر إلى شاطئ البحر وانقطع فعلم أنهم ركبوا البحر وساروا فيه وانقطع رجاؤه منهم ، والتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً في البرية فخشي على نفسه من الوحوش فصعد على جبل عال فبينما هو في الجبل إذ سمع صوت آدمي يتكلم من مغارة فصغى إليه وإذا هو عابد قد ترك الدنيا واشتغل بالعبادة ، فطرق عليه المغارة ثلاث مرات فلم يجبه العابد فصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
كيف السبيل إلى أن أبلـغ الـربـا * * *
وأترك الهم والتكدير والتـعـبـا
وأترك الهم والتكدير والتـعـبـا
وكل هول من الأهوال شـيبـنـي * * *
قلباً ورأساً مشيباً في زمان صبـا
قلباً ورأساً مشيباً في زمان صبـا
ولم أجد لي معيناً في الغـرام ولا * * *
خلاص يخفف عني الوجد والنصبا
خلاص يخفف عني الوجد والنصبا
وكم أكابد في الأشواق مـن ولـه * * *
كأن دهري علي الآن قد انقلـبـا
كأن دهري علي الآن قد انقلـبـا
وارحمتاه لصب عـاشـق قـلـق * * *
كأس التفرق والهجران قد شربـا
كأس التفرق والهجران قد شربـا
فالنار في القلب والأحشاء قد محيت * * *
والعقل من لوعة التفريق قد سلبـا
والعقل من لوعة التفريق قد سلبـا
ما كان أعظم يوم جئت منزلـهـم * * *
وقد رأيت على الأبواب ما كتـبـا
وقد رأيت على الأبواب ما كتـبـا
بكيت حتى سقيت الأرض من حرق * * *
لكن كتمت على الدانين والغـربـا
لكن كتمت على الدانين والغـربـا
يا عابداً قد تغاضى في مغـارتـه * * *
كأن ذلك طعم العشق وانسـلـبـا
كأن ذلك طعم العشق وانسـلـبـا
وبعـد هـذا وهـذا كـلـه فـإذا * * *
بلغت قصدي فلا هماً ولا تعـبـا
بلغت قصدي فلا هماً ولا تعـبـا
فلما فرغ من شعره وإذا بباب المغارة قد انفتح وسمع قائلاً يقول : وارحمتاه ، فدخل الباب وسلم على العابد وقال له : ما اسمك ؟ قال: اسمي أنس الوجود ، فقال له : ما سبب مجيئك إلى هذا المكان ؟ ! فقص عيه قصته من أولها إلى آخرها وأخبره ما جرى له فبكى العابد وقال له : يا أنس الوجود إن لي في هذا المكان عشرين عاماً ما رأيت فيه أحداً إلا بالأمس ، فإني سمعت بكاءً وغواشاً فنظرت إلى جهة الصوت فرأيت ناساً كثيرين وخياماً منصوبة على شاطئ البحر وأقاموا مركباً ونزل فيه قوم منهم وساروا به في البحر ثم رجع بالمركب بعض من نزل فيه وكسروه وتوجهوا إلى حال سبيلهم ، وأظن أن الذين ساروا على ظهر البحر ولم يرجعوا هم الذين أنت في طلبهم يا أنس الوجود . وحينئذٍ يكون همك عظيماً وأنت معذور ، ولكن لا يوجد محب إلا وقد قاسى الحسرات، ثم أنشد العابد هذه الأبيات:
أنس الوجود خلي البال تحـسـبـنـي * * *
والشوق والوجد يطويني وينشـرنـي
والشوق والوجد يطويني وينشـرنـي
إني عرفت الهوى والعشق من صغري * * *
من حين كنت صبياً راضع الـلـبـن
من حين كنت صبياً راضع الـلـبـن
مارسته زمناً حـتـى عـرفـت بـه * * *
إن كنت تسأل عني فهو يعـرفـنـي
إن كنت تسأل عني فهو يعـرفـنـي
شربت كأس الجوى من لوعةٍ وضنـى * * *
فصرت محواً بهـمـن رقة الـبـدن
فصرت محواً بهـمـن رقة الـبـدن
قد كنت ذا قوة لكـن هـي جـلـدي * * *
وجيش صبري بأسياف اللحاظ فـنـي
وجيش صبري بأسياف اللحاظ فـنـي
لا ترتجي في الهوى وصلاً بغير جفـا* * *
فالضد بالضد مقرون مدى الـزمـن
فالضد بالضد مقرون مدى الـزمـن
قضى الغرام على العشاق أجمعـهـم * * *
إن السلـو حـرام بـدعة الـفـنـن
إن السلـو حـرام بـدعة الـفـنـن
فلما فرغ العابد من إنشاد شعره قام إلى أنس الوجود وعانقه وتباكيا حتى دوت الجبال من بكائهما. ولم يزالا يبكيان حتى وقعا مغشياً عليهما ، ثم أفاقا وتعاهدا على أنهما أخوان في عهد الله تعالى ، ثم قال العابد لأنس الوجود : أنا في هذه الليلة أصلي وأستخير الله على شيء تعمله فقال له أنس الوجود : سمعاً وطاعة . هذا ما كان من أنس الوجود ، واما ما كان من أمر الورد في الأكمام فإنها لما وصلوا بها إلى الجبل وأدخلوها القصر ورأته ورأت ترتيبه بكت وقالت : والله إنك مكان مليح غير أنك ناقص وجود الحبيب فيك ورأت في تلك الجزيرة أطياراً فأمرت بعض أتباعها أن ينصب لها فخاً ويصطاد به من الطيور وكلما اصطادوا شيئا يضعوه في أقفاص داخل ساحة القصر ، ثم قعدت في شباك القصر وتذكرت ما جرى لها وزاد بها الغرام والوجد والهيام فبكت العبرات وأنشدت هذه الأبيات:
يا لمن أشتكي الغرام الـذي بـي * * *
وشجوني وفرقتني عن حبـيبـي
وشجوني وفرقتني عن حبـيبـي
ولهيباً بين الـضـلـوع ولـكـن * * *
لست أبديه خفـية مـن رقـيب
لست أبديه خفـية مـن رقـيب
ثم أصبـحـت رق عـود خـلال * * *
من بـعـاد وحـرقة ونـحـيب
من بـعـاد وحـرقة ونـحـيب
أين عين الحبيب حتـى تـرانـي * * *
كيف أصبحت مثل حال السلـيب
كيف أصبحت مثل حال السلـيب
قد تعدو علـي إذ حـجـبـونـي * * *
في مكان لم يستطعه حـبـيبـي
في مكان لم يستطعه حـبـيبـي
أسأل الشمس حمل ألـف سـلام * * *
عند وقت الشروق ثم الـغـروب
عند وقت الشروق ثم الـغـروب
أحبيب قد أخجل البدر حـسـنـاً * * *
منذ تبدى وفاق قد الـقـضـيب
منذ تبدى وفاق قد الـقـضـيب
إن حكى الورد خده قـلـت فـيه * * *
لست تحكي إن لم تكن من نصيبي
لست تحكي إن لم تكن من نصيبي
إن في ثغره لـسـلـسـال ريق * * *
يجلب البرد عند حر الـلـهـيب
يجلب البرد عند حر الـلـهـيب
كيف أسلوه وهو قلبـي وروحـي * * *
مسقمي ممرضي حبيبي طبيبـي
مسقمي ممرضي حبيبي طبيبـي
هذا ما كان من أمر الورد في الأكمام ، وأما ما كان من امر أنس الوجود فإن العابد قال له : انزل إلى الوادي وائتني من الفخيل بليف فنزل وجاء له بليف فأخذه العابد وقتها وجعله شنفاً مثل أشناف التبن وقال له : يا أنس الوجود إن في جوف الوادي فرعاً يطلع وينشف على أصوله فانزل إليه واملأ هذا الشنف منه واربطه وارمه في البحر واركب عليه وتوجه به وسط البحر لعلك تبلغ قصدك ، فإن من لم يخاطر بنفسه لم يبلغ المقصود ، فقال : سمعاً وطاعة ثم ودعه وانصرف من عنده إلى ما أمره به بعد أن دعا له العابد ، ولم يزل أنس الوجود سائر إلى جوف الوادي وفعل كما قال له العابد ، ولما وصل بالشنف إلى وسط البحر هبت عليه ريح فزقه الشنف حتى غاب عن عين العابد ، ولم يزل سابحاً في لجة البحر ترفعه موجة وتحطه أخرى وهو يرى ما في البحر من العجائب والأهوال إلى أن رمته المقادير على جبل الثكلى بعد ثلاثة أيام فنزل إلى البر مثل الفرخ الدايخ لهفان من الجوع والعطش فوجد في ذلك المكان أنهاراً جارية وأطياراً مغردة على الأغصان وأشجاراً مثمرة صنواناً وغير صنوان فأكل من الأثمار وشرب من الأنهار وقام يمشي فرأى بياضاً على بعد فمشى جهته حتى وصل إليه فوجده قصراً منيعاً حصيناً فأتى إلى باب القصر فوجده مقفولاً فجلس عنده ثلاثة أيام. فبينما هو جالس وإذا بباب القصر قد فتح وخرج منه شخص من الخدم فرأى أنس الوجود قاعداً فقال له : من أين أتيت ومن أوصلك إلى هنا ؟ فقال أنس الوجود : من أصفهان وكنت مسافراً في البحر بتجارة فانكسر المركب الذي كنت فيه فرمتني الأمواج على ظهر هذه الجزيرة ، فبكى الخادم وعانقه وقال : حياك الله يا وجه الأحباب أن أصفهان بلادي ولي فيها بنت عم كنت أحبها وأنا صغير وكنت مولعاً بها فغزى بلادنا قوم أقوى منا وأخذوني في جملة الغنائم و كنت صغيراً فقطعوا إحليلي ثم باعوني خادماً وها أنا لا زلت على تلك الحالة وبعدما سلم عليه وحياه أدخله ساحة القصر ، فلما دخل رأى بحيرة عظيمة وحولها أشجار وأغصان وفيها أطيار في أقفاص من فضة وأبواباها من الذهب وتلك الأقفاص معلقة على الأغصان والأطيار فيها تناغي وتسبح الديان ، فلما وصل إلى أولها تأمله فإذا هو قمري فلما رآه الطير مد صوته وقال القمري : يا كريم , فغشي على أنس الوجود، فلما أفاق من غشيته صعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
أيها القمري هل بمثلي تـهـيم * * *
فاسأل المولى وغرد يا كـريم
فاسأل المولى وغرد يا كـريم
يا ترى نوحـك هـذا طـرب * * *
أو غرام منك في القلوب مقيم
أو غرام منك في القلوب مقيم
أن تنح وجداً لأحباب مـضـوا * * *
أو خلفت بهم مضنى سـقـيم
أو خلفت بهم مضنى سـقـيم
أو فقدت الحب مثلي في الهوى * * *
فالتجافي يظهر الوجد القـديم
فالتجافي يظهر الوجد القـديم
يا رعى الله محبـاً صـادقـاً * * *
لست أسلوه ولو عظمي رميم
لست أسلوه ولو عظمي رميم
فلما فرغ من شعره بكى حتى وقع مغشياً عليه ، وحين أفاق من غشيته مشى حتى وصل إلى ثاني قفص فوجده فاختاً، فلما رآه الفاخت غرد وقال الفاخت : يا دايم أشكرك ، فصعد أنس الوجود الزفرات وأنشد هذه الأبيات:
وفاخت قد طال فـي نـوحـه * * *
يا دائماً شكراً على بـلـوتـي
يا دائماً شكراً على بـلـوتـي
عسى لعل الله مـن فـضـلـه * * *
يقضي بوصل الحب في سفرتي
يقضي بوصل الحب في سفرتي
ورب معسول اللمـى زارنـي * * *
فزادني عشقاً على صبـوتـي
فزادني عشقاً على صبـوتـي
قلت والنيران قـد أضـرمـت * * *
في القلب حتى أحرقت مهجتي
في القلب حتى أحرقت مهجتي
والدمع مسفوك يحـاكـي دمـاً * * *
قد فاض يجري على وجنـتـي
قد فاض يجري على وجنـتـي
ما تم مخـلـوق بـلا مـحـنة * * *
لكن لي صبراً على محنـتـي
لكن لي صبراً على محنـتـي
بقدرة اللـه مـتـى لـمـنـي * * *
وقت الصفا يوماً على سادتـي
وقت الصفا يوماً على سادتـي
جعلت للعشاق مـالـي قـرى * * *
لأنهم قوم عـلـى سـنـتـي
لأنهم قوم عـلـى سـنـتـي
وأطلق الأطيار من سجـنـهـا * * *
واترك الأحزان من فرحـتـي
واترك الأحزان من فرحـتـي
فلما فرغ من شعره تمشى إلى ثالث قفص فوجده هزاراً، فزعق الهزار عند رؤيته ، فلم سمعه أنشد هذه الأبيات:
إن الهزار لطيف الصوت يعجبنـي * * *
كأنه صوت صب في الغرام فنـي
كأنه صوت صب في الغرام فنـي
وارحمتاه على العشاق ثم قلـقـوا * * *
من ليلة بالهوى والشوق والمحـن
من ليلة بالهوى والشوق والمحـن
كأنهم من عظيم الشوق قد خلـفـوا * * *
بلا صباح ولا نوم من الـشـجـن
بلا صباح ولا نوم من الـشـجـن
لما جننت بمـن أهـواه قـيدنـي * * *
فيه الغرام ولمـا فـيه قـيدنـي
فيه الغرام ولمـا فـيه قـيدنـي
تسلسل الدمع من عيني فقلـت لـه * * *
سلاسل الدمع قد طالت فسلسلنـي
سلاسل الدمع قد طالت فسلسلنـي
زاد اشتياقي وطال البعد وانعدمـت * * *
كنوز صبري وفرط الوجد أتلفنـي
كنوز صبري وفرط الوجد أتلفنـي
إن كان في الدهر أنصاف ويجمعني * * *
بمن أحب وستر الله يشمـلـنـي
بمن أحب وستر الله يشمـلـنـي
قلعت ثوبي لحبي كي يرى جسـدي * * *
بالصد والبعد والهجران كيف ضني
بالصد والبعد والهجران كيف ضني
فلما فرغ من شعره تمشى إلى رابع قفص فوجده بلبلاً ، فناح وغرد عند رؤية أنس الوجود ، فلما سمع تغريده سكب العبرات وأنشد هذه الأبيات:
إن للبلبل صوتاً في الـسـحـر * * *
شعل العاشق من حسن التوتر
شعل العاشق من حسن التوتر
في الهوى أنس الوجود المشتكي * * *
من غرام قد محا منـه الأثـر
من غرام قد محا منـه الأثـر
كم سمعنا صوت ألحان محـت * * *
طرباً صلد الحديد والحـجـر
طرباً صلد الحديد والحـجـر
ونسيم الصبح قـد يروي لـنـا * * *
عن رياض يانعات بالـزهـر
عن رياض يانعات بالـزهـر
فطربـنـا بـسـمـاع وشـذا * * *
من نسيم وطيور في السحـر
من نسيم وطيور في السحـر
وتذكـرنـا حـبـيبـاً غـائبـاً * * *
فجرى الدمع سيولاً ومـطـر
فجرى الدمع سيولاً ومـطـر
ولهيب النار فـي أحـشـائنـا * * *
مضمر ذاك كجمر بالـشـرر
مضمر ذاك كجمر بالـشـرر
متع الله مـحـبـاً عـاشـقـاً * * *
من حبيب بوصـال ونـظـر
من حبيب بوصـال ونـظـر
إن للعشاق عـذراً واضـحـاً * * *
ليس يدري العذر إلا ذو النظر
ليس يدري العذر إلا ذو النظر
فلما فرغ من شعره مشى قليلاً فرأى قفصاً حسناً لم يكن هناك أحسن منه فلما قرب منه وجده حمام الأيك وهو اليمام المشهور من بين الطيور فوجده ذاهلاً باطلاً ينوح الغرام وفي عنقه عقد من جوهر بديع النظام ونأمله فوجده ذاهلاً باطلاً باهتاً في قفصه فلما رآه بهذا الحال أفاض العبرات وأنشد هذه الأبيات:
يا حمام الأيك أقرئك الـسـلام * * *
يا أخا العشاق من أهل الغـرام
يا أخا العشاق من أهل الغـرام
إنني أهـوى غـزالاً أهـيفـاً * * *
لحظة أقطع من حد الحـسـام
لحظة أقطع من حد الحـسـام
في الهوى أحرق قلبي والحشى * * *
وعلا جسمي تحول وسـقـام
وعلا جسمي تحول وسـقـام
ولذيذ الـزاد قـد أحـرمـتـه * * *
مثل ما احرمت من طيب المنام
مثل ما احرمت من طيب المنام
واصطباري وسـلـوى رحـلا * * *
والهوى بالوجد عندي قد أقـام
والهوى بالوجد عندي قد أقـام
كيف يهنأ العيش لي من بعدهـم * * *
وهم روحي وقصدي والمـرام
وهم روحي وقصدي والمـرام
فلما فرغ أنس الوجود من شعره التفت إلى صاحبه الأصبهاني وقال له : ما هذا القصر ومن هو الذي بناه؟! قال له : بناه وزير الملك الفلاني لابنته خوفاً عليها من عوارض الزمان وطوارق الحدثان وأسكنها فيه هي وأتباعها ولا تفتحه إلا في كل سنة مرة لما تأتي إليهم مؤونتهم فقال في نفسه : قد حصل المقصود ولكن المدة طويلة ، هذا ما كان من أمر أنس الوجود وأما ما كان من أمر الورد في الأكمام فإنها لم يهنأ لها شراب ولا طعام ولا قعود ولا منام فقامت وقد زاد بها الغرام والهيام ودارت في أركان القصر فلم تجد لها مصرفاً فسكبت العبرات وأنشدت هذه الأبيات:
حبسوني عن حبـيبـي قـوة * * *
وأذاقوني بسجني لوعـتـي
وأذاقوني بسجني لوعـتـي
أحرقوا قلبي بنيران الـهـوى * * *
حيث ردوا عن حبيبي نظرتي
حيث ردوا عن حبيبي نظرتي
حبسوني في قصـور شـيدت * * *
في جبال خلقت فـي لـجة
في جبال خلقت فـي لـجة
إن يكونوا قد رأوا ستـرتـي * * *
لم تزد في الحب إلا محنتـي
لم تزد في الحب إلا محنتـي
كيف أسلو والذي بي كـلـه * * *
أصله في وجه حبي نظرتي
أصله في وجه حبي نظرتي
فنهاري كـلـه فـي أسـف * * *
أقطع الليل بهم في فكرتـي
أقطع الليل بهم في فكرتـي
وأنيسي ذكرهم في وحـدتـي * * *
حين ألقى منم لقاهم وحشتي
حين ألقى منم لقاهم وحشتي
يا ترى هل بعد هـذا كـلـه * * *
يسمح الدهر بلقيا مـنـيتـي
يسمح الدهر بلقيا مـنـيتـي
فلا فرغت من شعرها طلعت إلى سطح القصر وأخذت أثواباً بعلبكية وربطت نفسها فيها حتى وصلت إلى الأرض ...........
الى اللقاء فموعدنا الجزء الثالث
الى اللقاء فموعدنا الجزء الثالث
رابط الجزء الثاني من حكاية انس الوجود و محبوبته الورد في الاكمام
رابط الجزء الثالث من حكاية انس الوجود و محبوبته الورد في الاكمام
رابط الجزء الثالث من حكاية انس الوجود و محبوبته الورد في الاكمام
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم