حكاية أنس الوجود مع محبوبته الورد في الأكمام (الجزء الاول)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
كان يا مكان في سالف العصر و الزمان و مما يحكى أيضاً أنه كان ملك عظيم الشأن ذو عز وسلطان وكان له وزير يسمى ابراهيم وله ابنة بديعة الحسن والجمال فائقة في البهجة والكمال ذات عقل وافر وأدب باهر، إلا أنها تهوى المنادمة والراح والوجوه الملاح ورقائق الأشعار ونوادر الأخبار تدعو العقول إلى الهوى رقة معانيها كما قال فيها بعض واصفيها:
كلفت بها فتانة الـتـرك والـعـرب * * *
تجادلني في الفقه والنـحـو والأدب
تقول أنا المفعول بي وخفضـتـنـي * * *
لماذا وهذا فاعل فلـم أنـتـصـب
فقلت لها نفسي وروحي لك الـفـدا * * *
ألم تعلمي أن الزمان قد انـقـلـب
وإن كنت يوماً تنكـرين انـقـلابـه * * *
فها انظري ما عقدة الرأس في الذنب
وكان اسمها الورد في الأكمام ، وسبب تسميتها بذلك فرط رقتها وكمال بهجتها وكان الملك محباً منادماً لكمال أدبها ، ومن عادة الملك أنه في كل عام يجمع أعيان مملكته ويلعب بالكرة فلما كان ذلك اليوم الذي يجمع فيه الناس للعب بالكرة جلست ابنة الوزير الورد في الاكمام في الشباك لتتفرج فبينما هم في اللعب إذ لاحت منها التفاتة فرأت بين العسكر شاباً لم يكن أحسن منه منظراً ولا أبهى طلعة نير الوجه ضاحك السن طويل الباع واسع المنكب فكررت فيه مراراً فيه النظر فلم تشبع منه النظر فقالت لدايتها : ما اسم هذا الشاب المليح الشمائل الذي بين العسكر ؟ فقالت لها : يا بنتي الكل ملاح فمن هو فيهم ؟ فقالت لها: اصبري حتى أشير لك عليه ، ثم أخذت تفاحة ورمتها عليه فرفع رأسه فرأى ابنة الوزير في الشباك كأنها البدر في الأفلاك ، فلم يرد إليه طرفه وهو بعشقها مشغول الخاطر فأنشد قول الشاعر:
أرماني القواس أم جفنـاك * * *
فتكا بقلب الصب حين رآك
وأتاني السهم المفوق برهة * * *
من جحفل أم جاء من شباك
فلما فرغ اللعب قالت لدايتها: ما اسم هذا الشاب الذي أريته لك ؟ قالت اسمه أنس الوجود ، فهزت رأسها ونامت في مرتبتها وقدحت فكرتها، ثم صعدت الزفرات وانشدت هذه الأبيات:
ما خاب من سماك أنس الوجود * * *
يا جامعاً ما بين أنس الوجـود
يا طلعة البدر الذي وجـهـه * * *
قد نور الكون وعم الـوجـود
ما أنت إلا مفرد في الـورى * * *
سلطان ذي حسن وعنده شهود
حاجبك النون التـي حـررت * * *
ومقلتاك الصاد صنع الـودود
وقدك الغصن الرطيب الـذي * * *
إذا دعي في كل شيء يجـود
قد فقت فرسان الورى سطوة * * *
ولم تزل بفرط حسنك تسـود
فلما فرغت من شعرها كتبته في قرطاس ولفته في خرقة الحرير مطرزة بالذهب ووضعته تحت المخدة وكانت واحدة من داياتها تنظر إليها فجاءتها وصارت تمارسها حتى نامت وسرقت الورقة من تحت المخدة وقرأتها، فعرفت أنها حصل لها وجد بأنس الوجود وبعد أن قرأت الورقة وضعتها في مكانها فلما استفاقت سيدتها الورد في الأكمام من نومها قالت لها: يا سيدتي إني لك من الناصحات وعليك من الشفيقات اعلمي أن الهوى شديد وكتمانه يذيب الحديد ويورث الأمراض والأسقام وما على من يبوح بالهوى ملام فقالت لها الورد في الأكمام: يا دايتي وما دواء الغرام ؟ قالت: دواؤه الوصال قالت: وكيف يوجد الوصال؟ قالت: يا سيدتي يوجد بالمراسلة ولين الكلام، وإكثار التحية والسلام فهذا يجمع بين الأحباب وبه تسهل الأمور والصعاب وإن كان ذلك أمر يا مولاتي فانا اولى بكتم سرك وقضاء حاجتك وحمل رسالتك. فلما سمعت منها الورد في الأكمام ذلك طار عقلها من الفرح لكن أمسكت نفسها عن الكلام حتى تنظر عاقبة أمرها وقالت في نفسها: إن هذا الأمر ما عرفه أحد مني فلا أبوح به لهذه المرأة إلا بعد أن أختبرها فقالت المرأة: يا سيدتي إني رأيت في منامي كأن رجلاً جاءني وقال لي: أن سيدتك وأنس الوجود متحابان فمارسي أمرهما واحملي رسائلهما واقضي حوائجهما واكتمي أمرهما وأسرارهما يحصل لك خير كثير وهاأنا قد قصصت ما رأيت عليك والأمر إليك فقالت الورد في الأكمام لدايتها لما أخبرتها بالمنام. الذي رأته: هل تكتمين الأسرار يا دايتي ؟! فقالت لها: كيف لا أكتم الأسرار وأنا من خلاصة الحرار فأخرجت لها الورقة التي كتبت فيها الشعر وقالت لها: اذهبي برسالتي هذه إلى أنس الوجود، فلما دخلت عليه قبلت يديه وحيته بألف سلام ثم أعطته القرطاس فقرأه وفهم معناه ثم كتب في ظهره هذه الأبيات:
أعلل قلبي في الـغـرام وأكـتـم * * *
ولكن حالي عن هـواي يتـرجـم
وإن فاض دمعي قلت جرح بمقلتي * * *
لئلا يرى حالي العذول فـيفـهـم
وكنت خالياً لست أعرف ما الهوى * * *
فأصبحت صباً والـفـؤاد مـتـيم
رفعت إليكم قصتي أشتكـي بـهـا * * *
غرامي ووجدي كي ترقواوترحموا
وسطرتها من دمع عيني لعـلـهـا * * *
بما حل بي منكم إليكم تـتـرجـم
رعى الله وجهاً بالجمال مـبـرقـاً * * *
له البدر عبد والكواكـب تـخـدم
على حسن ذات ما رأيت مثيلـهـا * * *
ومن ميلها الأغصان عطفاً تتعلـم
وأسألكم من غير حمـل مـشـقة * * *
زيارتنا إن الوصـال مـعـظـم
وهبت لكم روحي عسى تقبلونـهـا * * *
فلي الوصل خلد والصدود جهنـم
ثم طوى الكتاب وقبله واعطاه لها وقال لها: يا داية استعطفي خاطر سيدتك فقالت له : سمعاً وطاعة ثم أخذت منه المكتوب ورجعت إلى سيدتها وأعطتها القرطاس فقبلته ورفعته فوق رأسها ثم فتحته وقرأته وفهمت معناه وكتبت في أسفله هذه الأبيات:
يا من تولع قلبـه بـجـمـالـنـا * * *
أصبر لعلك في الهوى تحظى بنـا
لما علمـنـا أن حـبـك صـادق * * *
وأصاب قلبك ما أصاب فـؤادنـا
زدناك فوق الوصل وصلاً مثـلـه * * *
لكن منع الوصل من حجـابـنـا
وإذا تجلى الليل من فرط الـهـوى * * *
تتوقد النـيران فـي أحـشـائنـا
رجعت مضاجعنا الجنوب وربمـا * * *
قد برح التبريح في أجسـامـنـا
الفرض في شرع الهوى كتم الهوى * * *
لا ترفعوا المسبول من أستـارنـا
وقد انحشى مني الحشا بهوى الرشا * * *
يا ليته ما غاب عـن أوطـانـنـا
فلما فرغت من شعرها طوت القرطاس وأعطته للداية . فأخذته وخرجت من عند الورد في الأكمام بنت الوزير فصادفها الحاجب وقال لها: أين تذهبين ؟ فقالت: إلى الحمام وقد انزعجت منه فوقعت الورقة حين خرجت من الباب وقت انزعاجها. هذا ما كان من امرها. وأما ما كان من أمر الورقة فإن بعض الخدام رآها مرمية في الطريق فأخذها ثم أن الوزير خرج من باب الحريم وجلس على سريره فقصد الخادم الذي التقط الورقة فبينما الوزير جالس على سريره وإذا بذلك الخادم تقدم إليه وفي يده الورقة وقال له: يا مولاي إني وجدت هذه الورقة مرمية في الدار فاخذتها فتناولها الوزير من يده وهي مطوية فرأى فيها الأشعار التي تقدم ذكرها فقرأها وفهم معناها ثم تأمل كتابتها فرآها بخط ابنته فدخل على أمها وهو يبكي بكاءً شديداً حتى ابتلت لحيته فقالت له زوجته : ما أبكاك يا مولاي ؟ فقال لها : خذي هذه الورقة وانظري ما فيها فأخذت الورقة وقرأتها فوجدتها مشتملة على مراسلة من بنتها الورد في الأكمام إلى أنس الوجود فجاءها البكاء لكنها غلبت في نفسها وكفكفت دموعها وقالت للوزير: يا مولاي إن البكاء لا فائدة فيه وإنما الرأي الصواب أن تتبصر في أمر يكون فيه صون عرضك وكتمان أمر ابنتك وصارت تسليه وتخفف عنه الأحزان فقال لها: إني خائف على ابنتي من العشق اما تعلمين أن السلطان يحب أنس الوجود محبة عظيمة ولخوفي من هذا الأمر سببان : الأول من جهتي وهو أنها ابنتي والثاني من جهة السلطان وهو أن أنس الوجود محظي عند السلطان وربما يحدث من هذا أمر عظيم فما رأيك في ذلك.
قالت له: اصبر علي حتى أصلي صلاة الإستخارة ثم إنها صلت ركعتين سنة الإستخارة فلما فرغت من صلاتها قالت لزوجها : في وسط بحر الكنوز جبلاً يسمى جبل الثكلى وسبب تسميته بذلك سيأتي وذاك الجبل لا يقدر على الوصول إليه أحد إلا بالمشقة فاجعل لها موضعاً هناك فاتفق الوزير مع زوجته على أن يبني فيه قصراً منيعاً ويجعلها فيه ويضع عندها مؤونتها عاماً بعد عام ويجعل عندها من يؤنسها ويخدمها ثم جمع النجارين والبنائين والمهندسين وأرسلهم إلى ذلك الجبل فبنوا لها قصر منيعاً لم ير الراؤون مثل جماله ثم هيأ الزاد والراحلة ودخل على ابنته في الليل وأمرها بالسير فأحس قلبها بالفراق فلما خرجت ورأت هيئة الأسفار بكت بكاءً شديداً وكتبت على الباب لكي يعرف أنس الوجود بما جرى لها من الوجد الذي تقشعر منه الجلود ويذيب الجلمود ويجري العبرات والذي كتبته هذه الأبيات:
بالـلـه يا دار إن مـر ضـحـى * * *
مسلـمـاً بـإشـارات يحـيينـا
اهديه منا سلاماً زاكـياً عـطـرا * * *
لأنه لـيس يدري أين أمـسـينـا
ولست أدري إلى أين الرحيل بنـا * * *
لما مضوا بي سريعاً مستخـفـياً
في جنح ليل وطير الأيل قد عكفت * * *
على الغصن تباكينا وتـنـعـينـا
وقال عنها لسان الحال واحـربـاه * * *
من التفرق ما بين المـحـبـينـا
لما رأيت كؤوس البعدقد مـلـئت * * *
والدهر من صرفها بالقهر يسقينا
مزجتها بجميل الصبر معـتـذراً * * *
وعنكم الآن ليس الصبر يسلـينـا
فلما فرغت من شعرها ركبت وساروا بها يقطعون البراري والقفار والأوعار حتى وصلوا إلى بحر الكنوز ونصبوا الخيام على شاطئ البحر ومدوا لها مركباً عظيمة وأنزلوها فيها هي وعائلتها وقد أمرهم أنهم إذا وصلوا إلى الجبل وأدخلوها في القصر هي وعائلتها يرجعون بالمركب
الى اللقاء في الجزء الثاني لا تنسوا الاشتراك و المتابعة ليصلكم كل جديد
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم