السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ...
إلى القصة ... 😊...
ثم دخل الخليفة الثاني والجماعة صحبته إلى أن جلس على كرسي مذهب مرصع بالجواهر وعلى الكرسي سجادة من الحرير الأصفر وقد جلست الندماء ووقف سياف النقمة بين يديه فمدوا السماط وأكلوا و رفعت الأواني وغسلت الأيادي وأحضروا آلة المدام واصطفت القناني والكاسات ودار الدور إلى أن وصل إلى الخليفة هارون الرشيد فامتنع من الشراب فقال الخليفة الثاني لجعفر: ما بال صاحبك لا يشرب؟ فقال: يا مولاي إن له مدة ما شرب من هذا. فقال الخليفة الثاني: عندي مشروب غير هذا يصلح لصاحبك وهو شراب التفاح ثم امر به فأحضروه في الحال فتقدم الخليفة الثاني بين يدي هارون الرشيد وقال له: كلما وصل إليك الدور فاشرب من هذا الشراب وما زالوا في انشراح وتعاطي أقداح الراح إلى أن تمكن الشراب من رؤوسهم واستولى على عقولهم ، فقال الخليفة هارون الرشيد لوزيره جعفر: والله ما عندنا آنية مثل هذه الآنية فيا ليت شعري ما شأن هذا الشاب فبينما هما يتحدثان سراً إذ لاحت من الشاب التفاتة فوجد الوزير يتساور مع الخليفة فقال: إن المساورة عربدة فقال الوزير: ما ثم عربدة إلا رفيقي هذا يقول: إني سافرت إلى غالب البلاد ونادمت أكابر الملوك وعاشرت الأجناد فما رأيت أحسن من هذا النظام ولا أبهج من هذه الليلة غير أن أهل بغداد يقولون: الشراب بلا سماع ربما أورث الصداع. فلما سمع الخليفة الثاني ذلك تبسم وانشرح وكان بيده قضيب فضرب به على مدوره وإذا بباب فتح وخرج منه خادم يحمل كرسياً من العاج مصفحاً بالذهب الوهاج وخلفه جارية بارعة في الحسن والجمال والبهاء والكمال فنصب الخادم الكرسي وجلست عليه الجارية وهي كالشمس الضاحية في السماء الصافية وبيدها عود عمله صناع الهنود فوضعته في حجرها وانحنت عليه انحناء الوالدة على ولدها وغنت عليه بعد أن أطربت وقلبت أربعاً وعشرين طريقة حتى أذهلت العقول ثم عادت إلى طريقتها الأولى وأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات:
لسان الهوى في مهجتي لك ناطق **
يخبر عني أنني لـك عـاشـق .
ولي شاهد من حر قلب معـذب **
وطرف قريح والدموع سوابـق .
وما كنت أدري قبل حبك ما الهـوى **
ولكن قضاء الله في الخلق سابق .
فلما سمع الخليفة الثاني هذا الشعر من الجارية صرخ صرخة عظيمة وشق البدلة التي كانت عليه من الذيل وأسبلت عليه الستارة وأتوه ببدلة غيرها أحسن منها فلبسها ثم جلس على عادته فلما وصل إليه القدح ضرب بالقضيب على المدورة وإذا بباب قد فتح وخرج منه خادم يحمل كرسياً من الذهب وخلفه الجارية الثانية أحسن من الأولى فجلست على ذلك الكرسي وبيدها عود يكمد قلب الحسود فغنت عليه هذين البيتين:-
شعر عن نار الشوق و الحنين
كيف اصطباري ونار الشوق في كبدي **
والدمع من مقلتي طوفـانـه أبـدي .
والدمع من مقلتي طوفـانـه أبـدي .
والله ما طاب لـي عـيش أسـر بـه **
فكيف يفرح قلب حشـوه كـمـدي
فلما سمع الشاب هذا الشعر صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من الثياب إلى الذيل وانسبلت عليه الستارة وأتوه ببدلة أخرى فلبسها واستوى جالساً إلى حالته الأولى وانبسط في الكلام فلما وصل القدح إليه ضرب على المدورة فخرج خادم وراءه جارية أحسن من التي قبلها ومعه كرسي فجلست الجارية على الكرسي وبيدها عود فغنت عليه هذه الأبيات:
أجمل الاشعار عن هجران الحبيب و الحب و الغرام
أقصروا الهجر أو أقلوا جفاكم **
ففؤادي وحقكم ما سـلاكـم .
وارحموا مدنفاً كئيباً حـزينـاً**
ذا غرام متيماً في هـواكـم .
قد برته السقام من فرط وجد **
فتمنى من الإله رضـاكـم .
يا بدوراً محلها فـي فـؤادي **
كيف أختار في الأنام سواكم ..
فلما سمع الشاب هذه الأبيات صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من الثياب فأرخوا عليه الستارة وأتوه بثياب غيرها ثم عاد إلى
حالته مع ندمائه ودارت الأقداح فلما وصل القدح إليه ضرب على المدورة فانفتح الباب وخرج منه غلام ومعه كرسي وخلفه جارية فنصب لها الكرسي وجلست عليه وأخذت العود وأصلحته وغنت عليه بهذه الأبيات:
أجمل الاشعار عن الحب و الغرام
حتى متى يبقى التهاجر والقلى **
ويعود لي ما قد مضى لي أولا.
من أمس كنا والديار تلـمـنـا **
في أنسنا ونرى الحواسد عقلا.
غدر الزمان بنا وفرق شملـنـا**
من بعد ما ترك المنازل كالخلا..
أتروم مني يا عذولـي سـلـوة **
وأرى فؤادي لا يطيع العـذلا..
فدع الملام وخلني بصبابـتـي **
فالقلب من أنس الأحبة ما خلا.
يا سادة نقضوا العهود وبـذلـوا **
لا تحسبوا قلبي بعدكـم سـلا.
فلما سمع الخليفة الثاني إنشاد الجارية صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من ثياب وخر مغشياً عليه فأرادوا أن يرخوا عليه الستارة بحسب العادة فتوقفت حبالها فلاحت من هارون الرشيد التفاتة إليه فنظر إلى بدنه آثار ضرب مقارع فقال هارون الرشيد بعد النظر والتأكيد: يا جعفر والله إنه شاب مليح إلا انه لص قبيح. فقال جعفر: من أين عرفت ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أما رأيت ما على جنبيه من أثر السياط، ثم أسبلوا عليه الستارة وأتوه ببدلة غير التي كانت عليه واستوى جالساً على حالته الأولى مع الندماء فلاحت منه التفاتة فوجد الخليفة وجعفر يتحدثان سراً فقال لهما: ما الخبر يا فتيان؟ فقال جعفر: يا مولانا خيراً، غير أنه لا خفاء عليك إن رفيقي هذا من التجار وقد سافر جميع الأمصار والأقطار وصحب الملوك والخيار وهو يقول لي: إن الذي حصل من مولانا الخليفة في هذه الليلة إسراف عظيم ولم أر أحداً فعل مثل فعله في سائر الأقاليم، لأنه شق كذا وكذا بدلة كل بدلة بألف دينار وهذا إسراف زائد. فقال الخليفة الثاني: يا هذا إن المال مالي والقماش قماشي وهذا من بعض الإنعام على الخدام و الحواشي فإن كل بدلة شققتها لواحد من الندماء الحضار وقد رسمت لهم مع كل بدلة بخمسمائة دينار، فقال الوزير جعفر: نعم ما فعلت يا مولانا ثم أنشد هذين البيتين:
شعر في مدح بنت الكرام
بنت المكارم وسط كفك منزلا **
وجعلت مالك للأنام مباحـا .
وجعلت مالك للأنام مباحـا .
فإذا المكارم أغلقت أبوابهـا **
كانت يداك لقفلها مفتـاحـا.
فلما سمع الشاب هذا الشعر من الوزير جعفر رسم له بألف دينار وبدلة ثم دارت بينهم الأقداح وطاب لهم الراح، فقال الرشيد: يا جعفر اسأله عن الضرب الذي على جنبيه حتى ننظر ما يقول في جوابه. فقال: لا تعجل يا مولاي وترفق بنفسك فإن الصبر أجمل فقال: وحياة رأسي وتربة العباس إن لم تسأله لأخمدن منك الأنفاس فعند ذلك التفت الشاب إلى الوزير وقال له: مالك مع رفيقك تتساوران فأخبرني بشأنكما؟ فقال: خير. فقال: سألتك بالله أن تخبرني بخبركما ولا تكتما عني شيئاً من امركما. فقال: يا مولاي إنه أبصر على جنبيك ضرباً وأثر سياط ومقارع فتعجب من ذلك غاية العجب وقال: كيف يضرب الخليفة وقصده أن يعلم ما السبب؟ فلما سمع الشاب ذلك تبسم وقال: اعلموا أن حديثي غريب وأمري عجيب لو كتب بالإبر على أماق البصر لكان عبرة لمن اعتبر ثم صعد الزفرات وانشد هذه الأبيات:
حديثي عجيب فاق كل العـجـائب **
وحق الهوى ضاقت على مذاهبي .
وحق الهوى ضاقت على مذاهبي .
فإن شئتموا أن تسمعوا لي فأنصتوا **
ويسكت هذا الجمع من كل جانب .
ويسكت هذا الجمع من كل جانب .
واصغوا إلى قولي ففـيه إشـارة **
وإن كلامي صادق غـير كـاذب .
فإني قتـيل مـن غـرام ولـوعة **
.لها مقلة كحلاء مـثـل مـهـنـد**
وترمي سهاماً من قسي الحواجب.
وقد حس قلبي أن فيكم أمـامـنـا **
خليفة هذا الوقت وابن الأطـايب.
خليفة هذا الوقت وابن الأطـايب.
وثانيكم هو المنادي بـجـعـفـر **
لديه وزير صاحب وابن الأصاحب.
وثالثكم مسـرور سـياف نـقـمة **
فإن كان هذا القول ليس بكـاذب.
لقد نلت ما أرجو من المر كـلـه **
وجاء سرورالقلب من كل جانـب.
فلما سمعا منه هذا الكلام حلف له جعفر وروى في يمينه أنهم لم يكونوا المذكورين فضحك الشاب وقال: اعلموا يا سادتي أنا لست أمير المؤمنين وإنما سميت نفسي بهذا لأبلغ ما أريد من أولاد المدينة وإنما اسمي محمد علي بن علي الجواهري وكان أبي من الأعيان فمات وخلف لي مالاً كثيراً من ذهب وفضة ولؤلؤ ومرجان وياقوت وزبرجد وجواهر وعقارات وحمامات وغيطان وبساتين ودكاكين وطوابين وعبيد وجواري وغلمان فاتفق في بعض الأيام إني كنت جالساً في دكاني وحولي الخدم والحشم وإذا بجارية قد أقبلت راكبة على بغلة وفي خدمتها ثلاث جوار كأنهن الأقمار. فلما قربت مني نزلت على دكاني وجلست عندي وقالت لي: هل أنت محمد الجوهري؟ فقلت لها: نعم هو أنا مملوكك وعبدك. فقالت: هل عندك جوهر يصلح لي؟ فقلت لها: يا سيدتي الذي عندي أعرضه عليك وأحضره بين يديك فإن أعجبك منه شيء كان بسعد المملوك وإن لم يعجبك شيء فبسوء حظي وكان عندي مائة عقد من الجوهر فعرضت عليها الجميع فلم يعجبها شيء من ذلك وقالت: أريد أحسن مما رأيت وكان عندي عقد صغير اشتراه والدي بمائة ألف دينار ولم يوجد مثله عند أحد من السلاطين الكبار، فقلت لها: يا سيدتي بقي عندي عقد من الفصوص والجواهر التي لا يملك مثلها أحد من الأكابر والأصاغر. فقالت لي: أرني إياه. فلما رأته قالت: هذا مطلوبي وهو الذي طول عمري أتمناه ثم قالت لي: كم ثمنه؟ فقلت لها: ثمنه على والدي مائة ألف دينار فقالت: ولك خمسة آلاف دينار فائدة فقلت: يا سيدتي العقد وصاحبه بين يديك ولا خلاف عندي فقالت: لا بد من الفائدة ولك المئة الزائدة، ثم قامت من وقتها وركبت البغلة بسرعة وقالت لي: يا سيدي باسم الله تفضل صحبتنا لتأخذ الثمن فإن نهارك اليوم بنا مثل اللبن فقمت وأقفلت الدكان وسرت معها في أمان إلى أن وصلنا الدار فوجدتها داراً عليها آثار السعادة لائحة وبابها مزركش بالذهب والفضة واللازورد مكتوب عليه هذان البيتان:
ألا يا دار لا يدخلـك حـزن **
ولا يغدر بصاحبك الزمـان .
فنعم الدار أنت لكل ضـيف **
إذا ما ضاق بالضيف المكان .
إذا ما ضاق بالضيف المكان .
فنزلت الجارية ودخلت الدار وأمرتني بالجلوس على مصطبة الباب إلى أن يأتي الصيرفي، فجلست على باب الدار ساعة وإذا بجارية خرجت إلي وقالت: يا سيدي أدخل الدهليز فإن جلوسك على الباب قبيح فقمت ودخلت الدهليز وجلست على الدكة، فبينما أنا جالس إذا بجارية خرجت إلي وقالت لي: يا سيدي إن سيدتي تقول لك ادخل واجلس على باب الديوان حتى تقبض مالك، فقمت ودخلت البيت وجلست لحظة وإذا بكرسي من الذهب وعليه ستارة من الحرير وإذا بتلك الستارة قد رفعت فبان من تحتها تلك الجارية التي اشترت مني ذلك العقد وقد أسفرت عن وجه كأنه دارة القمر والعقد في عنقها فطاش عقلي واندهش لبي من تلك الجارية لفرط حسنها وجمالها. فلما رأتني قامت من فوق الكرسي وسعت نحوي وقالت لي: يا نور عيني هل كان من كان مليح مثلك ما يرثي لمحبوبته، فقلت: يا سيدتي الحسن كله فيك وهو من بعض معانيك، فقالت: يا جوهري، اعلم أني أحبك وما صدقت أني أجيء بك عندي، ثم إنها مالت علي فقبلتها وقبلتني وإلى جهتها جذبتني وعلى صدرها رمتني.
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم