حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان( الجزء الثانى عشر)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
تحدثنا بأن قمر الزمان دخل باب المدينة وهو لا يعلم أين يتوجه فمشى في المدينة جميعها وقد كان دخل من البر، ولم يزل يمشي إلى أن خرج من باب البحر فلم يقابله أحد من أهلها وكانت
مدينة على جانب البحر، ثم إنه بعد أن خرج من باب البحر مشى ولم يزل ماشياً حتى وصل إلى بساتين المدينة وشق بين الأشجار فأتى إلى بستان ووقف على بابه فخرج إليه الخولي ورحب به وقال: الحمد لله الذي أتى بك سالماً من أهل هذه المدينة، فادخل هذا البستان سريعاً قبل أن يراك احد من أهلها. فعند ذلك دخل قمر الزمان ذلك البستان وهو ذاهل العقل وقال للخولي ما حكاية أهل هذه المدينة وما خبرهم فقال له اعلم أن أهل هذه المدينة كلهم مجوس فبالله عليك كيف وصلت إلى هذا المكان وما سبب دخولك في بلادنا، فعند ذلك أخبره قمر الزمان بجميع ما جرى له فتعجب الخولي من ذلك غاية العجب وقال له: اعلم يا ولدي أن بلاد الإسلام بعيدة من هنا فبيننا وبينها أربعة أشهر في البحر وأما في البر فسنة كاملة وإن عندنا مركباً يقلع وتسافر كل سنة ببضائع إلى أول بلاد الإسلام وتسير من هنا إلى بحر الأبنوس ومنه إلى جزائر خالدات وملكها يقال له السلطان شهرمان. فعند ذلك تفكر قمر الزمان في نفسه ساعة زمانية وعلم أنه من الأفضل له قعوده في البستان عند الخولي والعمل عنده مرابعاً، فقال للخولي: هل تقبلني عندك مرابعاً في هذا البستان فقال له الخولي سمعاً وطاعة، ثم علمه تحويل الماء بين الأشجار فصار قمر الزمان يحول الماء ويقطع الحشيش بالفأس وألبسه الخولي بشتاً قصيراً أزرق يصل إلى ركبته وصار يسقي الأشجار ويبكي بالدموع الغزار وينشد الأشعار بالليل والنهار في معشوقته بدور فمن جملة ذلك هذه الأبيات:
لنا عندكـم وعـد فـهـلا وفـيتـم **
وقلتم لنا قولاً فـهـلا فـعـلـتـم .
قهرنا على حكم الغـرام ونـمـتـم **
ولـيس سـواء سـاهـرون ونـوم
وكنا عهدنا أننـا نـكـتـم الـهـوى **
فأغراكم الواشـي وقـال قـلـتـم
فيا أيها الأحبـاب فـي الـسـخـط **
والرضا على كل حال أنتم القصد أنتم .
ولي عند بعض الناس قلب مـعـذب **
فيا ليته يرثـي لـحـالـي ويرحـم .
وما كل عين مثل عـينـي قـريحة **
ولاكل قلب مثل قـلـبـي مـتـيم .
ظالمتم وقلتم إنمـا الـحـب ظـالـم **
صدقتم كذا كان الحديث صـدقـتـم.
سلوا مغرماً لا ينقض الدهر عـهـده **
ولو كان في أحشائه النار تـضـرم .
إذا كان خصمي في الصبابة حاكمـي **
لمن أشتكي خصمي لمن أتـظـلـم
ولولا افتقاري في الهوى وصبابتـي **
لما كان لي في العشق قلب متيم .
هذا ما كان من قمر الزمان واما ما كان من أمر زوجته السيدة بدور بنت الملك الغيور فإنها لما استيقظت من نومها طلبت زوجها قمر الزمان فلم تجده ورأت سروالها محلولاً فافتقدت العقد فوجدتها محلولة والفص معدوماً فقالت في نفسها يا للعجب أين معشوقي كأنه أخذ الفص وراح وهو لا يعلم السر الذي هو فيه فيا ترى أين راح ولكن لا بد له من أمر عجيب اقتضى رواحه فإنه لا يقدر أن يفارقني ساعة فلعن الله الفص ولعن ساعته ثم إن السيدة بدور تفكرت وقالت في نفسها إن خرجت إلى الحاشية وأعلمتهم بفقد زوجي يطمعوا في ولكن لا بد من الحيلة.ثم إنها لبست ثياب قمر الزمان ولبست عمامة كعمامته وضربت لها لثاماً وحطت في محفتها جارية وخرجت من خيمتها وصرخت على الغلمان فقدموا لها الجواد فركبت وأمرت بشد الأحمال فشدوا الأحمال وسافروا وأخفت أمرها لأنها كانت تشبه قمر الزمان فما شك أحد أنها قمر الزمان بعينه وما زالت مسافرة هي وأتباعها أياماً وليالي حتى أشرفت على مدينة مطلة على البحر المالح فنزلت بظاهرها وضربت خيامها في ذلك المكان لأجل الإستراحة ثم سألت عن هذه المدينة فقيل لها هذه مدينة الآبنوس وملكها الملك أرمانوس وله بنت اسمها حياة النفوس ، فنزلت بظاهر مدينة الآبنوس لأجل الإستراحة، أرسل الملك أرمانوس رسولاً من عنده يكشف له خبر الملك النازل بظاهر المدينة فلما وصل إليهم الرسول سألهم فأخبروه بأن هذا ابن الملك تائه عن الطريق وهو قاصد جزائر خالدات الملك شهرمان فعاد الرسول إلى الملك أرمانوس وأخبره بالخبر فلما سمع الملك أرمانوس هذا الكلام نزل هو وأرباب دولته إلى مقابلته فلما قدم على الخيام ترجلت السيدة بدور وترجل الملك أرمانوس وسلما على بعضهما وأخذها ودخل بها إلى مدينته وطلع بها إلى قصره وأمر بمد السماط وموائد الأطعمة وأمر بنقل السيدة بدور إلى دار الضيافة فقامت هناك ثلاثة أيام وبعد ذلك أقبل الملك أرمانوس على السيدة بدور وكانت دخلت في ذلك اليوم الحمام وأسفرت عن وجه كأنه البدر عند التمام فافتتن بها العالم وتهتكت بها الخلق عند رؤيتها. فعند ذلك أقبل الملك أرمانوس عليها وهي لابسة حلة من الحرير مطرزة بالذهب المرصع بالجواهر وقال لها يا ولدي اعلم أني بقيت شيخاً هرماً وعمري ما رزقت ولداً غير بنت وهي على شكلك وقدك في الحسن والجمال وعجزت عن الملك فهل لك يا ولدي أن تقيم بأرضي وتسكن بلادي وأزوجك ابنتي وأعطيك مملكتي. فأطرقت السيدة بدور رأسها وعرق جبينها من الحياء وقالت في نفسها كيف يكون العمل وأنا امرأة فإن خالفت أمره وسرت ربما يرسل خلفي جيشاً يقتلني وإن أطلعته على أمري ربما أفتضح وقد فقدت محبوبي قمر الزمان ولم أعرف له خبر وما لي خلاص إلا أن أجيبه إلى قصده وأقيم عنده حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ثم إن السيدة بدور رفعت رأسها وأذعنت للملك بالسمع والطاعة ففرح الملك بذلك وأمر المنادي أن ينادي في جزائر الآبنوس بالفرح والزينة وجمع الحجاب والنواب والأمراء وأرباب دولته وقضاة مدينته وعزل نفسه عن الملك و سلطن السيدة بدور وألبسها بدلة الملك ودخلت الأمراء جميعاً على السيدة بدور وهم لا يشكون في أنها شاب وصار كل نظر إليهم منهم جميعاً يبل سراويله لفرط حسنها وجمالها فلما تسلطنت الملكة بدور ودقت لها البشائر بالسرور شرع الملك أرمانوس في تجهيز ابنته حياة النفوس وبعد أيام قلائل أدخلوا السيدة بدور على حياة النفوس فكانتا كأنهما بدران اجتمعا أو شمسان في وقت طلعا فردوا عليهما الأبواب وأرخوا الستائر بعد أن أوقدوا لهما الشموع وفرشوا لهما الفرش فعند ذلك جلست السيدة بدور مع السيدة حياة النفوس فتذكرت محبوبها قمر الزمان واشتدت بها الأحزان فسكبت العبرات وأنشدت هذه الأبيات:
يا راحلين وقلـبـي زائد الـقـلـق **
لم يبق بينكم في الجسم مـن رمـق .
قد كان لي مقلة تشكو السهـاد وقـد **
أذابها الدمع يا ليت السهـاد بـقـي .
لما رحلتم أقام الـضـب بـعـدكـم **
ولكن سلوا عنه ماذا في البعاد لقـي.
لولا جفوني وقد فاضت مدامـعـنـا **
توقدت عرصات الأرض من حرقي .
أشكو إلى الله أحبابـاً عـدمـتـهـم **
لم يرحموا صبوتي فيهم ولاقلـقـي .
لا ذنب لي عندهم إلا الغرام بـهـم **
والناس بين سعيد في الهوى و شقي .
ثم إن السيدة بدور لما فرغت من إنشادها جلست إلى جانب السيدة حياة النفوس وقبلتها في فمها ونهضت من وقتها وساعتها وتوضأت ولم تزل تصلي حتى نامت السيدة حياة النفوس ثم دخلت السيدة بدور معها في الفراش وأدارت ظهرها إلى الصباح، فلما طلع النهار دخل الملك هو وزوجته إلى ابنتهما وسألاها عن حالها فأخبرتهما بما جرى وما سمعته من الشعر. هذا ما كان من أمر حياة النفوس وأبويها، وأما ما كان من أمر الملكة بدور فإنها خرجت وجلست على كرسي المملكة وطلع إليها الأمراء وأرباب الدولة وجميع الرؤساء والجيوش وهنأوها بالملك وقبلوا الأرض بين يديها ودعوا لها بدوام الملك وهم يعتقدون أنها رجل، ثم أنها أمرت ونهت وحكمت وعدلت وأطلقت من الحبوس وأبطلت المكوس ولم تزل قاعدة في مجلس الحكومة إلى أن دخل الليل ثم دخلت المكان المعد لها وجدت السيدة حياة النفوس جالسة فجلست بجانبها وطقطقت على ظهرها ولاطفتها وقبلتها بين عينيها وأنشدت هذه الأبيات:
قد صار سري بالدموع عـلانـية **
ونحول جسمي في الغرام علانيه .
أخفي الهوى ويذيعه ألم الـنـوى **
حالي على الواشين ليست خافـية .
يا راحلين عن الحمى خـلـفـتـم **
جسمي بكم مضنى ونفسي بالـيه .
وسكنتم غور الحشا فـنـواظـري **
تجري مدامعها وعـينـي دامـية .
وأنا فداء الغائبين بـمـهـجـتـي **
أبداً وأشـواقـي إلـيهـم بـاديه .
لي مقلة مقروحة فـي حـبـهـم **
جفت الكرى ودموعها متـوالـيه .
ظن العدا من عـلـيه تـجـلـداً **
هيهات ما أذني إلـيهـم واعـيه .
خابت ظنونـهـم لـدي وإنـمـا **
قمر الزمان بـه أنـال أمـانـيه .
جمع الفضائل ما حواها قـبـلـه **
أحد سواه في العصور الخـالـيه .
أنسى الأنام بـجـوده وبـعـفـوه **
كرم بن زائدة وحلـم مـعـاوية .
لولا الإطالة والقريض مقـصـر **
عن حصر حسنك لم أدع من قافيه .
ثم إن الملكة بدور نهضت قائمة على أقدامها ومسحت دموعها وتوضأت وصلت ولم تزل تصلي إلى أن غلب النوم على السيدة حياة النفوس فنامت فجاءت الملكة بدور ورقدت بجانبها إلى الصباح ثم قامت وصلت الصبح وجلست على كرسي المملكة وأمرت ونهت وحكمت وعدلت. هذا ما كان من أمرها. وأما ما كان من أمر الملك أرمانوس فإنه دخل على ابنته وسألها عن حالها فأخبرته بجميع ما جرى لها وأنشدته الشعر الذي قالته الملكة بدور وقالت: يا أبي ما رأيت أحداً أكثر عقلاً وحياءً من زوجي غير أنه يبكي ويتنهد، فقال لها أبوها: يا ابنتي اصبري فما بقي له غير هذه الليلة الثالثة فإن لم يدخل بك ويزل بكارتك يكون لنا معه رأي وتدبير وأخلصه من الملك وأنفيه من بلادنا، فاتفق مع ابنته على هذا الكلام وأضمر الرأي، فلما أقبل الليل قامت الملكة بدور من دست المملكة إلى القصر ودخلت المكان الذي هو معد لها فرأت الشمع موقداً والسيدة جالسة فتذكرت زوجها وما جرى بينهما في تلك المدة اليسيرة ووالت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات:
قسماً لقد ملأت أحاديثي الـفـضـا **
كالشمس مشرقة على ذات الغضى .
نطقت إشارته فأشكل فـهـمـهـا **
فلذاك شوقي في المزيد وانقضـى .
أبغضت حسن الصبر مذ أحببـتـه **
أرأيت صبراً في الصبابة مبغضـا .
وممرض اللحظات صال بفتكـهـا **
واللحظ أقتل ما يكون ممـرضـا .
ألقـى ذوائبـه وحـط لـثـامـه **
فرأيت منه الحسن أسود أبـيضـا .
سقمي وبـرئي فـي يديه وإنـمـا **
يشفي سقام الحب من قد أمرضـا .
هام الوشاح برقة فـي خـصـره **
والردف من حسد أبى أن ينهضـا .
وكأن طرتـه وضـوء جـبـينـه **
ليل دجى فاعتافه صـبـح أضا .
فلما فرغت من إنشادها أرادت أن تقوم إلى الصلاة وإذا بحياة النفوس تعلقت بذيلها وقالت لها: أما تستحي من والدي وما فعل معك من الجميل وأنت تتركني إلى هذا الوقت، فلما سمعت منها ذلك جلست في مكانها وقالت لها يا حبيبتي ما الذي تقولينه؟ قالت: الذي أقوله إني ما رأيت أحداً معجباً بنفسه مثلك فهل كل من كان مليحاً يعجب بنفسه هكذا، ولكن أنا ما قلت هذا الكلام لأجل أن أرغبك في وإنما قلته خفية عليك من الملك أرمانوس فإنه أضمر إن لم تدخل بي في هذه الليلة وتزيل بكارتي أنه ينزعك من المملكة في غد ويسفرك من بلاده و ربما يزداد به الغيظ فيقتلك وأنا يا سيدي رحمتك ونصحتك والرأي رأيك. فلما سمعت الملكة بدور منها ذلك الكلام أطرقت برأسها إلى الأرض وتحيرت في أمرها، ثم قالت في نفسها إن خالفته هلكت وإن أطلعته افتضحت ولكن أنا في هذه الساعة ملكة على جزائر الأبنوس كلها وهي تحت حكمي وما أجتمع أنا وقمر الزمان إلا في هذا المكان لأنه ليس له طريق إلى بلاده إلا من جزائر الأبنوس، وقد فوضت أمري إلى الله فهو نعم المدبر. ثم إن الملكة بدور قالت لحياة النفوس يا حبيبتي إن تركي لك وامتناعي عنك بالرغم عني، وحكت لها ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى وأرتها نفسها وقالت لها: سألتك بالله أن تخفي أمري وتكتمي سري حتى يجمعني الله بمحبوبي قمر الزمان و بعد ذلك يكون ما يكون.
إلى اللقاء فموعدنا الجزء الثالث عشر
رابط الجزء الثاني عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثالث عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الرابع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الخامس عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء السادس عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء السابع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثامن عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء التاسع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء العشرون من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الحادي والعشرون من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثاني و العشرون و الاخير من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثالث عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الرابع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الخامس عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء السادس عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء السابع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثامن عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء التاسع عشر من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء العشرون من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الحادي والعشرون من حكاية قمر الزمان
رابط الجزء الثاني و العشرون و الاخير من حكاية قمر الزمان
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم