اسحاق الموصلي و زواجه بالجارية المغنية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة السباق نحو العلا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
كان يا مكان في سالف العصر و الزمان ، يحكى أن إسحق بن ابراهيم الموصلي نديم الخليفة المأمون ، قال : اتفق و صادف أنني ضجرت من ملازمة دار الخليفة المامون ، و الخدمة بها ، فركبت و خرجت ببكرة النهار وعزمت على أن أطوف الصحراء ، و أتفرج و أروح عن نفسي ، فقلت لغلماني : ان جاء رسول الخليفة أو غيره فعرفوه أنني بكرت في بعض مهماتي ، و أنكم لا تعرفون أين ذهبت ، ثم مضيت وحدي ، و طفت في المدينة و قد حمي النهار و زادت حرارة الشمس ، فوقفت في شارع يعرف و يسمى بالحرم . لأستظل من حر الشمس و حرقتها باحد المنازل ، و كان للدار جناح بارز على الطريق فلم ألبث حتى جاء خادم أسود يقود حماراً ، فرأيت جارية راكبة و تحتها منديل مكلل بالجواهر و عليها من اللباس الفاخر، ما لا غاية بعده ، و رأيت لها قواماً حسناً و طرفاً فاتراً و شمائل ظريفة ، فسألت عنها بعض المارين فقال لي : إنها مغنية ، و قد تعلق بحبها قلبي عند نظري إليها وقد قدرت أن أستقر على ظهر دابتي . ثم أنها دخلت الدار التي كنت واقفاً على بابها ، فجعلت أتفكر في حيلة أتوصل بها إليها فبينما أنا واقف ، إذ أقبل رجلان شابان جميلان فاستأذنا فأذن لهما صاحب الدار فنزلا و نزلت معهما ، و دخلت بصحبتهما فظنا أن صاحب الدار دعاني فجلسنا ساعة ، فاتى بالطعام فأكلنا ، ثم وضع الشراب بين يدينا ، ثم خرجت الجارية و في يدها عود فغنت و شربنا ، و قمت لأقضي حاجة ، فسأل صاحب المنزل الرجلين عني فأخبراه أنهما لا يعرفاني ، فقال : هذا طفيلي و لكنه ظريف فأجملوا عشرته ، ثم جئت فجلست في مكاني فغنت الجارية بلحن جميل و لطيف و أنشدت هذين البيتين: شعر عن الغزالة
قل للغزالة وهي غير غـزالة * * *
والجؤذر المكحول غير الجؤذر
والجؤذر المكحول غير الجؤذر
لمذكر الخلوات غير مـؤنـث * * *
ومؤنث الخطوات غير مذكـر
ومؤنث الخطوات غير مذكـر
فأدته أداءً حسناً وشرب القوم وأعجبهم ذلك ثم غنت طرقاً شتى بألحان غريبة وغنت من جملتها طريقة هي لي و أنشدت تقول: شعر عن الوحشة
الطلول الـدوارس * * *
فارقتها الـوانـي
فارقتها الـوانـي
أوحشت بعد أنسهـا * * *
فهي قفراء طامس
فهي قفراء طامس
فكان أمرها أصلح فيها من الأولى ثم غنت طرقاً شتى بألحان غريبة من القديم والحديث و غنت في أثنائها طريقة هي لي و أنشدت تقول:
قل لمن صد عاتبـاً * * *
ونأى عنك جانبـا
ونأى عنك جانبـا
قد بلغت الذي بلغت * * *
وإن كنت لاعبـا
وإن كنت لاعبـا
فاستعدته منها لأصححه فأقبل علي أحد الرجلين و قال : ما رأينا طفيلياً أصفق وجهاً منك ، أما ترضى بالتطفل حتى اقترحت و قد صح فيك المثل: طفيلي فأطرقت حياء ولم أجبه فجعل صاحبه يكفه عني فلا ينكف، ثم قاموا إلى الصلاة فتأخرت قليلاً وأخذت العود و شددت طرفيه وأصلحته إصلاحاً محكماً وعدت إلى موضعي فصليت معهم ولما فرغنا من الصلاة رجع ذلك الرجل إلى اللوم علي والتعنيف ولج في عربدته وأنا صامت فأخذت الجارية العود وجسته فانكرت حاله وقالت: من جس عودي؟ فقالوا: ما جسه أحد منا.
قالت: بلى والله لقد جسه حاذق متقدم في الصناعة، لأنه أحكم أوتاره وأصلحه إصلاح حاذق في صنعته فقلت لها: أنا الذي أصلحته. فقالت: بالله عليك أن تأخذه و تضرب عليه فأخذته وضربت عليه طريقة عجيبة صعبة تكاد أن تميت الأحياء وتحيي الأموات وانشدت عليه هذه الأبيات: اجمل شعر الحب
وكان لي قلـب أعـيش بـه * * *
وكان لي قلـب أعـيش بـه * * *
فاكتوى بالنار واحـتـرقـا
أنا لم أرزق مـحـبـتـهـا * * *
وإنما للـعـبـد مـا رزقـا
وإنما للـعـبـد مـا رزقـا
إن لم يكن ما ذقت طعم الهوى * * *
ذاقه لا شك مـن عـشـقـا
ذاقه لا شك مـن عـشـقـا
قال: فلما فرغت من شعري لم يبق أحد من الجماعة إلا و قد وثب من موضعه و جلسوا بين يدي و قالوا: بالله عليك يا سيدنا أن تغني لنا صوتاً آخر فقلت: حباً و كرامة ، ثم أحكمت الضربات و غنيت بهذه الأبيات:
ألا مـن لـقـب ذوائب بـنــوائب * * *
أناخت به الأحزان من كل جـانـب
أناخت به الأحزان من كل جـانـب
حرام على رامي فؤادي بسـهـمـه * * *
دم صبه بين الـحـشـا والـتـراب
دم صبه بين الـحـشـا والـتـراب
تبـين بـين الـبـين إن اقـتـرابـه * * *
على البين من ضمن الظنون الكواذب
على البين من ضمن الظنون الكواذب
أراق دماً لولا الـهـوى مـا أراقـه * * *
فهل لدمي من ثـائر ومـطـالـب
فهل لدمي من ثـائر ومـطـالـب
فلما فرغ من شعره لم يبق أحد منهم إلا وقام على قدميه ، ثم رمى بنفسه على الأرض من شدة ما اصابه من الطرب ، قال: فرميت العود من يدي فقالوا: بالله عليك أن لا تفعل هذا وزدنا صوتاً آخر زادك الله من نعمته ، فقلت لهم: يا قوم أزيدكم صوتاً آخر و آخر و آخر و أعرفكم من انا ، أنا إسحق بن ابراهيم الموصلي ، والله اني لآتي على الخليفة إذا طلبني ، و انتم قد أسمعتموني غليظ ما أكرهه في هذا اليوم ، فوالله لا نطقت بحرف ولا جلست معكم حتى تخرجوا هذا العربيد من بينكم ، فقال له صاحبه : من هذا حذرتك و خفت عليك . ثم أخذوا بيده وأخرجوه فأخذت العود وغنيت الأصوات التي غنتها الجارية من صنعتي ، ثم أسررت إلى صاحب الدار أن الجارية قد وقعت محبتها في قلبي ولا صبر لي عنها ، فقال الرجل : هي لك بشرط ، فقلت : و ما هو؟ قال : أن تقيم عندي شهراً فأقمت عنده شهراً ، و لا يعرف أحد أين أنا والخليفة يفتش علي في كل موضع ولا يعرف لي خبراً. فلما انقضى الشهر سلم لي الجارية و ما يتعلق بها من الأمتعة النفيسة ، و أعطاني خادماً آخر فجئت بذلك إلى منزلي كاني حزت الدنيا باسرها من شدة فرحي بالجارية ، ثم ركبت إلى المأمون من وقتي فلما حضرت بين يديه قال : ويحك يا إسحق وأين كنت فأخبرته بخبري فقال علي بذلك الرجل في هذه الساعة فدللتهم على داره فأرسل إليه الخليفة ، فلما حضر سأله عن القصة فأخبره بها فقال له : أنت رجل ذو مروءة والرأي أن تعان على مروءتك ، فأمر له بمائة ألف درهم وقال لي: يا إسحق أحضر الجارية فأحضرتها وغنت له وأطربته فحصل له منها سرور عظيم ، فقال قد جعلت عليها نوبة كل يوم خميس فتحضر و تغني من وراء الستارة ، ثم أمر لها بخمسين ألف درهم فوالله لقد ربحت في تلك الركبة .
ان اعغجبتكم القصة فلا تبخلوا علينا بالاشتراك ليصلكم كل جديد و مشاركة القصة
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم