حكاية الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرس
( الجزء الثاني)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
فقال له ابن الملك : الذي أحدثك به إما أن تبارزني أنا وأنت خاصة فمن قتل صاحبه كان أحق وأولى بالملك وأما أن تتركني في هذه الليلة وإذا كان الصباح فأخرج إلى عسكرك وجنودك وغلمانك وأخبرني بعدتهم ، فقال له الملك إن عدتهم أربعون ألف فارس غير العبيد الذين لي وغير أتباعهم وهم مثلهم في العدد ، فقال ابن الملك إذا كان طلوع النهار فأخرجهم إلي وقل لهم هذا خطيب ابنتي على شرط أن يبارزكم جميعاً وادعى أنه يغلبكم ويقهركم وأنكم لا تقدرون عليه ثم اتركني معهم أبارزهم ، فإذا قتلوني فذلك أخفى لسرك وأصون لعرضك وإن غلبتهم وقهرتهم فمثلي يرغب الملك في مصاهرته فلما سمع الملك كلامه استحسن رأيه وقبل رأيه ، مع ما استعظمه من قوله وما هاله من أمره في عزمه على مبارزة جميع عسكره الذين وصفهم له . ثم جلسا يتحدثان وبعد ذلك دعا الملك بالخادم وأمره أن يخرج من وقته وساعته إلى وزيره ويأمره أن يجمع العساكر ويأمرهم بحمل أسلحتهم وأن يركبوا خيولهم فسار الخادم إلى الوزير وأعلمه بما أمره به الملك فعند ذلك طلب الوزير نقباء الجيش وأكابر الدولة وأمرهم أن يركبوا خيولهم ويخرجوا لابسين آلات الحرب. هذا ما كان من أمرهم. وأما ما كان من أمر الملك فإنه ما زال يتحدث مع الغلام حيث أعجبه حديثه وعقله وأدبه فبينما يتحدثان وإذا بالصبح قد أصبح فقام الملك وتوجه إلى يخته وأمر جيشه بالركوب وقدم لابن الملك فرساً جيداً من خيار خيله فقال له : لا يعجبني شيء من خيلك ولا أركب إلا الفرس التي جئت راكباً عليها فقال له الملك : وأين فرسك ؟ فقال له : هي فوق قصرك فقال له : في أي موضع في قصري فقال : على السطح . فلما سمع كلامه قال له : هذا أول ما ظهر من خيالك يا ويلك كيف تكون الفرس فوق السطح ولكن في هذا الوقت يظهر صدقك من كذبك ثم إن الملك التفت إلى بعض خواصه وقال له : امض إلى قصري واحضر الذي تجده فوق السطح فصار الناس متعجبين من قول الفتى ويقول بعضهم لبعض : كيف ينزل هذا الفرس من سلالم السطح إن هذا شيء ما سمعنا بمثله ، ثم إن الذي أرسله الملك إلى القصر صعد إلى أعلاه فرأى الفرس قائماً ولم ير أحسن منه فتقدم إليه وتأمله فوجده من الآبنوس والعاج وكان بعض خواص الملك طلع معه أيضاً ، فلما نظروا إلى الفرس تضاحكوا وقالوا وعلى مثل هذا الفرس يكون ما ذكره الفتى فما أظنه إلا مجنوناً ولكن سوف يظهر لنا أمره. وربما يكون له شأن عظيم ثم إنهم رفعوا الفرس على أيديهم ولم يزالوا حاملين لها حتى وصلوا إلى قدام الملك وأوقفوها بين يديه فاجتمع عليها الناس ينظرون من حسن صنعتها ، وحسن سرجها ولجامها واستحسنها الملك أيضاً وتعجب منها غاية العجب ، ثم قال لابن الملك : يا فتى أهذه فرسك ؟! فقال : نعم أيها الملك هذه فرسي وسوف ترى منها العجب. فقال له الملك : خذ فرسك واركبها قال : لا أركبها إلا إذا بعد عنها العساكر فأمر الملك العسكر الذين حوله أن يبتعدوا عنها مقدار رمية السهم فقال له : أيها الملك ها أنا رائح أركب فرسي وأحمل على جيشك فأفرقهم يميناً وشمالاً وأصدع قلوبهم فقال له الملك : افعل ما تريد ولا تبق عليهم فإنهم لا يبقون عليك ثم إن ابن الملك توجه إلى فرسه وركبها واصطفت له الجيوش وقال بعضهم لبعض : إذا وصل الغلام بين الصفوف نأخذه بأسنة الرماح وشفار الصفاح . فقال واحد منهم : والله انها مصيبة كيف نقتل هذا الغلام صاحب الوجه المليح والقد الرجيح فقال واحد آخر: والله لن تصلوا إليه إلا بعد أمر عظيم وما فعل الفتى هذه الفعال إلا لما علم من شجاعة نفسه وبراعته ، فلما استوى ابن الملك على فرسه فرك لولب الصعود فتطاولت إليه الأبصار لينظروا ماذا يريد أن يفعل فماجت فرسه واضطربت حتى عملت أغرب حركات تعملها الخيل وامتلأ جوفها بالهواء ثم ارتفعت وصعدت في الجو. فلما رآه الملك قد ارتفع وصعد نادى على جيشه قال: ويلكم خذوه قبل أن تفوتكم فعند ذلك قال له وزرائه ونوابه : أيها الملك هل أحد يلحق الطير الطائر وما هذا إلا سحر عظيم قد نجاك الله منه فاحمد الله تعالى على خلاصك من يده فرجع الملك إلى قصره بعدما رأى من ابن الملك ما رأى ولما وصل إلى قصره ذهب إلى ابنته وأخبرها بما جرى له مع ابن الملك في الميدان فوجدها كثيرة التأسف عليه وعلى فراقه ثم أنها مرضت مرضاً شديداً، ولزمت الوساد. فلما رآها أبوها على تلك الحالة ضمها وقبلها بين عينيها وقال لها : يا ابنتي احمدي الله تعالى واشكريه حيث خلصنا من هذا الساحر الماكر وجعل يكرر عليها ما رآه من ابن الملك ويذكر لها صفة صعوده في الهواء وهي لا تصغي إلى شيء من قول أبيها واشتد بكاؤها ونحيبها ثم قالت في نفسها : والله لا آكل طعاماً وأشرب شراباً حتى يجمع الله بيني وبينه فحصل لأبيها الملك هم عظيم من أجل ذلك وشق عليه حال ابنته وصار حزين القلب عليها وكلما يلاطفها لا تزداد إلا شغفاً به. هذا ما كان من أمر الملك وابنته. وأما ما كان من أمر ابن الملك فإنه لما صعد في الجو اختلى بنفسه وتذكر حسن الجارية وجمالها وكان قد سأل أصحاب الملك عن اسم المدينة واسم الملك واسم ابنته وكانت تلك المدينة صنعاء ثم أنه جد في السير حتى أشرف على مدينة أبيه ودار حول المدينة ثم توجه إلى قصر أبيه ونزل فوق السطح وترك فرسه هناك ونزل إلى والده ودخل عليه فوجده حزيناً كئيباً لأجل فراقه فلما رآه والده قام إليه واعتنقه وضمه إلى صدره وفرح به فرحاً شديداً ثم أنه لما اجتمع بوالده وسأله عن الحكيم الذي عمل الفرس وقال : يا والدي ما فعل الدهر به فقال له والده : لا بارك الله في الحكيم ولا في الساعة التي رأيته فيها لأنه هو الذي كان سبباً لفراقك منا وهو مسجون يا ولدي من يوم غبت عنا فأمر ابن الملك بالإفراج عنه وإخراجه من السجن وإحضاره بين يديه. فلما حضر بين يديه خلع عليه وأحسن إليه غاية الإحسان إلا أنه لم يزوجه ابنته فغضب الحكيم من أجل ذلك غضباً شديداً وندم على ما فعل وعلم أن ابن الملك قد عرف سر الفرس وكيفية سيرها ثم أن الملك قال لابنه : الرأي عندي أنك لا تقرب هذا الفرس بعد ذلك ولا تركبها أبداً بعد يومك هذا لأنك لا تعرف أحوالها فأنت منها على غرور وكان ابن الملك قد حدث أباه بما جرى له مع ابنة الملك صاحب تلك المدينة وما جرى له مع أبيها. فقال له أبوه : لو أراد الملك قتلك لقتلك ولكن في أجلك تأخير ثم إن ابن الملك هاجت بلابله بحب الجارية ابنة الملك صاحب صنعاء فقام إلى الفرس وركبها وفرك لولب الصعود فطارت به في الهواء وعلت به إلى عنان السماء فلما أصبح الصباح افتقده أبوه فلم يجده فطلع إلى أعلى القصر وهو ملهوف فنظر إلى ابنه وهو صاعد في الهواء فتأسف على فراقه وندم كل الندم حيث لم يأخذ الفرس ويخفي أمره ، ثم قال في نفسه : والله إن رجع إلي ولدي ما بقيت أخلي هذا الفرس لأجل أن يطمئن قلبي على ولدي ثم إنه عاد إلى بكائه ونحيبه. من حزنه على ولده، هذا ما كان من أمره. وأما ما كان من أمر ابنه فإنه لم يزل سائراً في الجو حتى وقف على مدينة صنعاء ونزل في المكان الذي كان فيه أولاً ومشى مستخفياً حتى وصل إلى محل ابنة الملك فلم يجدها لا هي ولا جواريها ولا الخادم الذي كان محافظاً عليها فعظم عليه ذلك ثم إنه دار يفتش عليها في القصر فوجدها في مجلس آخر غير محلها الذي اجتمع معها فيه وقد لزمت الوساد وحولها الجواري والدايات فدخل عليهن وسلم عليهن. فلما سمعت الجارية كلامه قامت إليه واعتنقته وجعلت تقبله بين عينيه وتضمه إلى صدرها فقال لها : يا سيدتي أوحشتيني هذه المدة فقالت له : أنت الذي أوحشتني ولو طالت غيبتك عني لكنت هلكت بلا شك ، فقال لها : يا سيدتي كيف رأيت حالي مع أبيك وما صنع بي ولولا محبتك يا فتنة العالمين لقتلته وجعلته عبرة للناظرين ولكن أحبه من أجلك فقالت له : كيف تغيب عني وهل تطيب حياتي بعدك فقال لها : أتطيعيني وتصغي إلى قولي ، فقالت له : قل ما شئت فإني أجيبك إلى ما تدعوني إليه ولا أخالفك في شيء فقال لها : سيري معي إلى بلادي وملكي فقالت له : حباً وكرامة. فلما سمع ابن الملك كلامها ، فرح فرحاً شديداً وأخذ بيدها وعاهدها بعهد الله تعالى على ذلك ، ثم صعد بها إلى أعلى سطح القصر وركب فرسه وأركبها خلفه ، ثم ضمها إليه وشدها شداً وثيقاً وحرك لولب الصعود الذي في كتف الفرس فصعدت بهما إلى الجو، فعند ذلك زعقت الجواري وأعلمن الملك أباها وأمها فصعدا مبادرين إلى سطح القصر، والتفت الملك إلى الجو فرأى الفرس الآبنوس وهي طائرة بهما في الهواء فعند ذلك انزعج الملك وزاد انزعاجه وقال : يا ابن الملك سألتك بالله أن ترحمني وترحم زوجتي ، ولا تفرق بيننا وبين بنتنا فلم يجبه ابن الملك. ثم أن ابن الملك ظن في نفسه أن الجارية ندمت على فراق أمها وأبيها ، فقال لها : يا فتنة الزمان هل لك أن أردك إلى أمك وأبيك فقالت له : يا سيدي والله ما مرادي ذلك إنما مرادي أن أكون معك أينما تكون لأنني مشغولة بمحبتك عن كل شيء حتى أبي وأمي. فلما سمع ابن الملك كلامها فرح بذلك فرحاً شديداً وجعل يسير الفرس بهما سيراً لطيفاً لكيلا يزعجها ولم يزل يسير بها حتى نظر إلى مرج أخضر وفيه عين جارية فنزلا هناك وأكلا وشربا ثم أن ابن الملك ركب فرسه وأردفها خلفه وأوثقها بالرباط خوفاً عليها وسار بها ولم يزل في الهواء حتى وصل إلى مدينة أبيه فاشتد فرحه. ثم أراد أن يظهر للجارية محل سلطانه وملك أبيه ويعرفها أن ملك أبيه أعظم من ملك أبيها فأنزلها في بعض البساتين التي يتفرج فيها والده وأدخلها في المقصورة المعدة لأبيه و اوقف الفرس الآبنوس على باب تلك المقصورة ، وأوصى الجارية بالمحافظة على الفرس وقال لها اقعدي ههنا حتى أرسل إليك رسولي فإني متوجه إلى أبي لأجل أن أهيء لك قصراً وأظهر لك ملكي ففرحت الجارية عندما سمعت منه هذا الكلام ، وقالت له : افعل ما تريد . و ثم خطر ببالها أنها لا تدخل إلا بالتبجيل والتشريف كما يصلح لأمثالها ، ثم أن ابن الملك تركها وسار حتى وصل إلى المدينة ودخل على أبيه فلما رأى أبوه فرح بقدومه وتلقاه ورحب به ، ثم أن ابن الملك قال لوالده : اعلم أنني أتيت ببنت الملك التي كنت أعلمتك بها وقد تركتها خارج المدينة في بعض البساتين وجئت أعلمك بها لأجل أن تهيء الموكب وتخرج لملاقاتها وتظهر لها ملكك واعوانك وجنودك . فقال له الملك : حباً وكرامة ، ثم أمر من وقته وساعته أهل المدينة أن يزينوا المدينة أحسن زينة وركب في أكمل هيبة وأحسن زينة هو وجميع عساكره وأكابر دولته وسائر مملكته وخدمه ، وأخرج ابن الملك من قصره الحلي والحلل وما تدخره الملوك وهيأ لها عمارة من الديباج الأخضر والأحمر والأصفر وأجلس على تلك العمارة الهنديات والروميات والحبشيات وأظهر من الذخائر شيئاً عجيباً . ثم أن ابن الملك ترك العمارة بمن فيها وسبق إلى البستان ودخل المقصورة التي تركها فيها وفتش فيها فلم يجدها ولم يجد الفرس ، فعند ذلك لطم على وجهه ومزق ثيابه وجعل يطوف في البستان وهو مدهوش العقل ، ثم بعد ذلك رجع إلى عقله وقال في نفسه : كيف علمت بسر هذا الفرس وأنا لم أعلمها بشيء من ذلك ولعل الحكيم الفارسي الذي عمل الفرس قد وقع عليها وأخذها جزاء ما عمله والدي معه ، ثم أن ابن الملك طلب حراس البستان وسألهم عمن مر بهم وقال لهم : هل نظرتم أحداً مر بكم ودخل هذا البستان؟ فقالوا : ما رأينا أحداً دخل البستان سوى الحكيم الفارسي فإنه دخل ليجمع الحشائش النافعة ، فلما سمع كلامهم صح عندهم أن الذي أخذ الجارية هو ذلك الحكيم .
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم