حكاية الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرس
( الجزء الاول)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته متابعي مدونة ملاذ الحائرين هنا أهلا بكم وأسعد الله جميع أوقاتكم بكل خير وسعادة ونتمنى لكم وقتا ممتعا و شيقا مع قصصنا في مدونتكم فحللتم أهلا ونزلتم سهلا ... إلى القصة ... 😊...
كان يا مكان في سالف العصر و الزمان و مما يحكى أنه كان يوجد ملك عظيم ذو خطر جسيم وكان له ثلاث بنات مثل الدرر السافرة والرياض الزاهرة وولد ذكر كأنه القمر . فبينما الملك جالس على كرسي مملكته يوماً من الأيام إذ دخل عليه ثلاثة من الحكماء مع أحدهم طاووس من ذهب ومع الثاني بوق من نحاس ومع الثالث فرس من عاج وآبنوس فقال لهم الملك : ما هذه الأشياء وما منافعها ؟ فقال صاحب الطاووس : إن هذا الطاووس كلما مضت ساعة من ليل أو نهار يصفق بأجنحته و يزعق . وقال صاحب البوق: إذا وضع هذا البوق على باب المدينة يكون كالمحافظ عليها فإذا دخل تلك المدينة عدو يزعق عليه هذا البوق فيعرف ويمسك باليد ، وقال صاحب الفرس : يا مولاي إن هذا الفرس إذا ركبها إنسان توصله إلى أي بلاد أراد . فقال الملك : لا انعم عليكم حتى أجرب منافع هذه الصور ثم إنه جرب الطاووس فوجده كما قال صاحبه وجرب البوق فوجده كما قال صاحبه فقال الملك للحكيمين : تمنيا علي فقالا نتمنى عليك أن تزوج كل واحد منا بنتاً من بناتك ثم تقدم الحكيم الثالث صاحب الفرس وقبل الأرض بين يدي الملك وقال له : يا ملك الزمان أنعم علي كما أنعمت على أصحابي فقال له الملك : حتى أجرب ما أتيت به فعند ذلك تقدم ابن الملك وقال : يا والدي أنا أركب هذه الفرس وأجربها وأختبر منفعتها فقال الملك : يا ولدي جربها كما تحب فقام ابن الملك وركب الفرس وحرك رجليه فلم تتحرك من مكانها فقال : يا حكيم أين الذي ادعيته من سيرها ؟ فعند ذلك جاء الحكيم إلى ابن الملك وأراه لولب الصعود وقال له: افرك هذا اللولب ففركه ابن الملك وإذا بالفرس قد تحرك وطار بابن الملك إلى عنان السماء ولم يزل طائراً حتى غاب عن الأعين فعند ذلك احتار ابن الملك في أمره وندم على ركوبه الفرس ثم قال : إن الحكيم قد عمل حيلة على هلاكي فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم إنه جعل يتأمل في جميع أعضاء الفرس . فبينما هو يتأمل وقع نظره على شيء مثل رأس الديك على كتف الفرس الأيمن وكذلك الأيسر فقال ابن الملك : ما أرى فيه أثراً غير هذين الزرين ففرك الزر الذي على الكتف الأيمن فازدادت به الفرس طيراً طالعة إلى الجو . فتركه ثم نظر إلى الكتف الأيسر فرأى ذلك الزر ففركه فتناقصت حركات الفرس من الصعود إلى الهبوط ولم تزل هابطة به إلى الأرض قليلاً قليلاً وهو محترس على نفسه. فلما نظر ابن الملك ذلك وعرف منافع الفرس امتلأ قلبه فرحاً وسروراً وشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه حيث أنقذه من الهلاك ولم يزل هابطاً طول نهاره لأنه كان حال صعوده بعدت عنه الأرض وجعل يدور وجه الفرس كما يريد وهي هابطة به وإذا شاء نزل بها وإذا شاء طلع بها. فلما أتم له من الفرس ما يريد أقبل بها إلى جهة الأرض وصار ينظر إلى ما فيها من البلاد والمدن التي لا يعرفها لأنه لم يرها طول عمره وكان من جملة ما رآه مدينة مبنية بأحسن البنيان وهي في وسط الأرض خضراء ناضرة ذات أشجار وأنهار فتفكر في نفسه وقال : يا ليت شعري ما اسم هذه المدينة وفي أي الأقاليم هي ثم جعل يطوف حول تلك المدينة ويتأملها يميناً وشمالاً وكان النهار قد ولى ودنت الشمس للمغيب فقال في نفسه : إني لا أجد موضعاً للمبيت أحسن من هذه المدينة فأنا أبيت فيها الليلة وعند الصباح أتوجه إلى أهلي ومحل ملكي وأعلم أهلي ووالدي بما جرى لي وأخبره بما نظرت عيناي وصار يفتش على موضع يأمن فيه على نفسه ولا يراه أحد . فبينما هو كذلك وإذا به قد نظر في وسط المدينة قصراً شاهقاً في الهواء وقد أحاط بذلك القصر سور متسع بشرفات عاليات فقال ابن الملك في نفسه : إن الموضع مليح وجعل يحرك الزر الذي يهبط به الفرس ولم يزل هابطاً به حتى نزل مستوياً على سطح القصر ثم نزل من فوق الفرس وحمد الله تعالى وجعل يدور الفرس ويتأملها ويقول : والله إن الذي عملك بهذه الصفة لحكيم ماهر فإن مد الله تعالى في أجلي وردني إلى بلادي وأهلي سالماً وجمع بيني وبين والدي لأحسنن إلى هذا الحكيم كل الإحسان ولأنعمن عليه غاية الإنعام ثم جلس فوق سطح القصر حتى علم أن الناس قد ناموا وقد أضر به الجوع والعطش لأنه منذ فارق والده لم يأكل طعاماً. فقال في نفسه : إن مثل هذا القصر لا يخلو من الرزق فترك الفرس في مكان ونزل يتمشى لينظر شيء يأكله فوجد سلم فنزل منه إلى أسفل فوجد ساحة مفروشة بالرخام فتعجب من ذلك المكان ومن حسن بنيانه لكنه لم يجد في ذلك القصر حس حسيس ولا أنس فوقف متحيراً وصار ينظر يميناً وشمالاً وهو لا يعرف أين يتجه ثم قال في نفسه : ليس لي أحسن من ان أرجع إلى المكان الذي فيه فرسي وأبيت عندها فإذا أصبح الصباح ركبتها وسرت. فبينما هو واقف يحدث نفسه بهذا إذ نظر إلى نور مقبل إلى ذلك المحل الذي الذي هو فيه فتأمل ذلك النور فوجده مع جماعة من الجواري وبينهن صبية ألفية بهية تحاكي البدر الزاهر كما قال الشاعر:
جاءت بلا موعد في ظلمة الغـسـق * * *
كأنها البدر فـي داج مـن الأفـق
كأنها البدر فـي داج مـن الأفـق
هيفاء من البرايا من يشـابـهـهـا * * *
في بهجة الحسن أو في رونق الخلق
في بهجة الحسن أو في رونق الخلق
ناديت لما رأت عيني محـاسـنـهـا * * *
سبحان من خلق الإنسان من علـق
سبحان من خلق الإنسان من علـق
أعيذها من عيون النـاس كـلـهـم * * *
بقول أعوذ برب الناس والـفـلـق
بقول أعوذ برب الناس والـفـلـق
وكانت تلك الصبية بنت ملك هذه المدينة وكان أبوها يحبها حباً شديداً ومن محبته إياها بنى لها هذا القصر فكانت كلما ضاق صدرها تجيء إليه وجواريها تقيم فيه يوماً أو يومين أو أكثر ثم تعود إلى سرايتها فاتفق أنها قد أتت الليلة من أجل الفرجة والانشراح وصارت ماشية بين الجواري ومعها خادم مقلد بسيف فلما دخلوا ذلك القصر فرشوا الفرش وأطلقوا مجامر البخور ولعبوا وانشرحوا فبينما هم في لعب وانشراح إذ هجم ابن الملك على ذلك الخادم ولطمه لطمة فبطحه وأخذ السيف من يده وهجم على الجواري اللاتي مع ابنة الملك فشتتهم يميناً وشمالاً. فلما نظرت ابنة الملك حسنه وجماله قالت : لعلك أنت الذي خطبتني من والدي بالأمس وردك وزعم انك قبيح المنظر والله لقد كذب أبي كيف قال ذلك الكلام فما أنت إلا مليح وكان ابن ملك الهند قد خطبها من أبيها فرده لأنه بشع المنظر فظنت أنه هو الذي خطبها ثم أقبلت عليه وعانقته وقبلته ورقدت هي وإياه . فقالت لها الجواري : يا سيدتي هذا ما هو الذي خطبك من أبيك لأن ذلك قبيح وهذا مليح وما يصلح الذي خطبك من أبيك ورده أن يكون خادماً لهذا ولكن يا سيدتي إن هذا الفتى له شأن عظيم ثم توجهت الجواري إلى الخادم المبطوح وأيقظنه فوثب مرعوباً وفتش على سيفه فلم يجده بيده فقالت له الجواري : الذي أخذ سيفك وبطحك جالس مع ابنة الملك ، وكان ذلك الخادم قد وكله الملك بالمحافظة على ابنته خوفاً عليها من نوائب الزمان وطوارق الحدثان فقام ذلك الخادم وتوجه إلى الستر ورفعه فرأى ابنة الملك جالسة مع ابن الملك وهما يتحدثان . فلما نظرهما الخادم قال لابن الملك : يا سيدي هل أنت إنسي أو جني فقال له ابن الملك : ويلك يا أنجس العبيد كيف تجعل أولاد الملوك الأكاسرة من الشياطين الكافرة ثم إنه أخذ السيف بيده وقال له : أنا صهر الملك وقد زوجني بابنته وأمرني بالدخول عليها فلما سمع الخادم منه ذلك الكلام قال له : يا سيدي إن كنت من الإنس كما زعمت فإنها ما تصلح إلا لك وأنت أحق بها من غيرك . ثم إن الخادم توجه إلى الملك وهو صارخ وقد شق ثيابه وحثا التراب على رأسه. فلما سمع الملك صياحه قال له : ما الذي دهاك فقد رجفت فؤادي أخبرني بسرعة وأوجز في الكلام فقال له الخادم : أدرك ابنتك فإنها قد استولى عليها شيطان من الجن في زي الإنس مصور بصورة أولاد الملوك ، فدونك وإياه فلما سمع الملك منه هذا الكلام هم بقتله ، وقال له : كيف تغافلت عن ابنتي حتى لحقها هذا العارض ثم إن الملك توجه إلى القصر الذي فيه ابنته، فلما وصل إليه وجد الجواري قائمات فقال لهن: ما الذي جرى لابنتي؟ قالت له: أيها الملك بينما نحن جالسات معها لم نشعر إلا وقد هجم علينا هذا الغلام كأنه البدر التمام ولم نر أحسن منه وجهاً وبيده سيف مسلول فسألناه عن حاله فزعم أنك قد زوجته ابنتك ونحن لا نعلم شيئاً غير هذا ولا نعرف هل هو إنسي أو جني ولكنه عفيف أديب لا يتعاطى القبيح . فلما سمع الملك مقالتهن برد ما به ثم أنه رفع الستر قليلاً ونظر فرأى ابن الملك جالساً مع ابنته يتحدثان وهو في أحسن التصوير ووجهه كالبدر المنير فلم يقدر أن يمسك نفسه من غيرته على ابنته فرفع الستر ودخل وبيده سيف مسلول وهجم عليهما كأنه الغول فلما نظره ابن الملك قال لها: أهذا أبوك ؟ قالت : نعم. فعند ذلك وثب قائماً على قدميه وتناول سيفه بيده وصاح على الملك صيحة منكرة فأدهشه وهم أن يجمل عليه بالسيف فعلم الملك أنه أوثب منه فأغمد سيفه ثم وقف حتى انتهى إليه ابن الملك فقابله بملاطفة وقال : يا فتى هل أنت إنسي أم جني ؟ فقال ابن الملك : لولا أني أرعى ذمامك وحرمة ابنتك لسفكت دمك كيف تنسبني إلى الشياطين وأنا من أولاد الملوك الأكاسرة اللذين لو شاءوا لأخذوا ملكك وزلزلوك عن عزك وسلطانك ، وسلبوا عنك جميع ما في أوطانك. فلما سمع الملك كلامه هابه وخاف على نفسه منه وقال له : إن كنت من أولاد الملوك كما زعمت فكيف دخلت قصري بغير إذني وهتكت حرمتي ، ووصلت إلى بنتي وزعمت أنك بعلها وادعيت أني قد زوجتك بها وأنا قد قتلت الملوك وأبناء الملوك حين خطبوها مني ومن ينجيك من سطوتي وأنا إن صحت على عبيدي وغلماني وأمرتهم بقتلك لقتلوك في الحال فمن يخلصك من يدي فلما سمع ابن الملك منه ذلك الكلام قال للملك : إني لأعجب منك ومن قلة بصيرتك هل تطمع لابنتك في بعل أحسن مني ، وهل رأيت أحداً أثبت جناناً وأكثر مكافأة وأعز سلطاناً وجنوداً وأعواناً مني ؟!. فقال له الملك : لا والله ولكن وددت يا فتى أن تكون خاطباً لها على رؤوس الأشهاد حتى أزوجك بها وأما إذا زوجتك بها خفية فإنك تفضحني فيها فقال له ابن الملك : لقد أحسنت في قولك ولكن أيها الملك إذا اجتمعت عبيدك وخدمك وجنودك علي وقتلوني كما زعمت فإنك تفضح نفسك وتبقى الناس فيك بين مصدق ومكذب ومن الرأي عندي أن ترجع أيها الملك إلى ما أشير به عليك . فقال له الملك : هات حديثك فقال له ابن الملك...
الى اللقاء في الجزء الثاني
رابط الجزء الاول من حكاية الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرسرابط الجزء الثاني من حكاية الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرس
رابط الجزء الثالث من حكاية الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرس
شكرا لمروركم فقد ازدانت مدونتنا بمروركم إشراقا وجمالا
فلا تبخلوا علينا بالمتابعة و التعليق و مشاركة المقال ان اعجبكم